بريهان أحمد تكتب: تجارة النخاسة والسفن الفرنسية المحملة بالعبيد الأسود
بريهان أحمد & كاتبة وناقدة أدبية

في تاريخ البشرية المسكوت عنه، كانت تجارة الرقيق واحدة من أكثر الممارسات وحشية واستغلالًا للبشر، خاصة في القرون التي شهدت هيمنة القوى الأوروبية على أجزاء واسعة من العالم. من بين هذه القوى كانت فرنسا التي لعبت دورًا بارزًا في استعباد الأفارقة وتصديرهم عبر المحيط الأطلنطي. تركز هذه المقالة على دور السفن الفرنسية في تجارة النخاسة، حيث كانت تنطلق من موانئها محملة بالأسلحة والجنود لتغزو السواحل الأفريقية، وتفرض سيطرتها على خيراتها، وعلى رأسها الذهب الأسود المغاير للتبر، وهو المصطلح المستخدم للعبيد الذين كانوا يُعتبرون موردًا اقتصاديًا ثمينًا.
خلال القرن السابع عشر والثامن عشر، شهدت السواحل الغربية لأفريقيا نزاعات مستمرة بين القوى الاستعمارية، خاصة بين فرنسا وهولندا، حول السيطرة على مناطق التجارة والعبيد. أقامت فرنسا مستعمرات ومراكز على السواحل، وبنت قلاعًا مثل قلعة سان لويس في السنغال، ما عزز من نفوذها في المنطقة. ومع الوقت، توسعت الإمبراطورية الفرنسية لتشمل مساحات واسعة من أفريقيا، بما في ذلك النيجر وغامبيا وساحل العاج، وأصبحت تجارة العبيد وسيلة لتعزيز نفوذها التجاري والسياسي.
وتستعرض المقالة أيضًا التنافس الاستعماري بين فرنسا وإنجلترا في السيطرة على مناطق نفوذ جديدة في أفريقيا، وكيف استُخدم العبيد كأداة اقتصادية وسياسية. كما تناقش الأثر المدمّر لهذه التجارة على القارة الأفريقية، وكيف أفرغت مئات الملايين من سكانها، مما تسبب في إضعاف مجتمعاتها وقوتها، في حين بنت القوى الاستعمارية ثروتها على حساب هذه المعاناة.

ففي حقبة تاريخية بدأت السفن الفرنسية تبحر نحو أفريقيا الغربية، وتحشد الجنود والأسلحة لفرض سيطرتها على السواحل الأفريقية من أجل استغلال خيراتها، ونهب الذهب الأسود الذي يعتبر كنزهم الثمين في التصدير والإتجار بهم وهم العبيد. وبذلت محاولات كثيرة لإقامة مراكزها على السواحل، واعتبرت نفسها مستعمرة لها، ذلك بعدما كشفت البرتغال النقاب عن ساحل غانا وغينيا. وما بين عام 1638 وعام 1697م نشبت العديد من الحروب بين الفرنسيين والمعترضين على أفعالها وحروبها المستمرة وإهدارها العديد من الأرواح على السواحل. وفي إحدى الاكتشافات تم الكشف عن نهر السنغال، وهو الذي يشكل أحد أجزاء الحدود العامة بين موريتانيا ومالي. خلال تلك الفترة المذكورة نشبت الحرب بين فرنسا وهولندا، ومن ثم أوقعت شركة السنغال الفرنسية قوتها لبناء قلعة سان لويس، من هنا وضعت فرنسا أسس إمبراطوريتها الفرنسية في غرب أفريقيا.
ظلت فرنسا تقوي مراكزها، وخلال عام 1818م اكتشفت فرنسا منابع نهر غامبيا وسيطرت عليها، واقتنصت العديد من العبيد وصدرتهم إلى بلادها. اتجهت بعدها فرنسا نحو النيجر، لكن الشيخ (عمرو سعيد الفوتى زعيم الدولة التيجانية) وهو عمر الفوتي هو عمر بن سعيد بن عثمان بن عمر الفوتي، ويعرف أيضًا بعمر الفوتي تال. وُلد في عام 1797 في منطقة فوتا تورو الواقعة في السنغال الحالية، وتوفي في عام 1864. كان من أهم الشخصيات في تاريخ غرب إفريقيا في القرن التاسع عشر. درس القرآن الكريم والعلوم الإسلامية، ثم سافر بعد ذلك إلى العديد من البلدان الإسلامية، بما في ذلك مالي، وموريتانيا، والحجاز، حيث أدى فريضة الحج وزار المدينة المنورة. بدأ الشيخ عمر الفوتي في نشر الدعوة الإسلامية في غرب إفريقيا، وأنشأ حركة صوفية متجددة تابعة للطريقة التيجانية، وسعى إلى تعليم الناس وتوعيتهم بالدين الإسلامي.
لم يقتصر دوره على الدعوة الدينية فقط، بل قاد أيضًا حركة سياسية وعسكرية هدفت إلى توحيد المسلمين في غرب إفريقيا تحت راية الإسلام ومحاربة القوى الاستعمارية الأوروبية. قاد العديد من الحملات العسكرية ونجح في تأسيس إمبراطورية إسلامية امتدت عبر أجزاء واسعة من مالي والسنغال وغينيا. توفي الشيخ عمر الفوتي في عام 1864، تاركًا وراءه إرثًا كبيرًا من النشاط الدعوي والعلمي والعسكري. يُعتبر من الشخصيات البارزة في تاريخ غرب إفريقيا، وترك تأثيرًا كبيرًا على الأجيال اللاحقة في المنطقة. ، وأحد أئمة المنصب الإسلامي الصوفي وقف لهم مع قواته وهدد الوجود الفرنسي، لكنه أمام القوة والاستعدادات الأسطولية العظيمة لفرنسا لم يصمدوا وهزموا في النهاية، وسيطرت فرنسا على النولا والنيجر وغامبيا وساحل العاج. أصبح حصن سان لويس مركز إمبراطورية عظيمة لها، وعلى ساحل العاج -على وجه الخصوص- امتددت سيطرة نابليون الثالث خلال الستينيات من القرن التاسع عشر لزيادة نفوذ فرنسا التجاري والسياسي وفرض سيطرتها لاقتناص العبيد بصورة أكبر وعلى نطاق أوسع.
جزيرة بريم
قامت فرنسا بدافع الغيرة بالاستيلاء على جزيرة بريم، عندما سيطرت إنجلترا على جزيرة عدن منذ عام 1839م في شرق أفريقيا، وأصبحت الأراضي الفرنسية تمتد إلى السواحل أكثر، ومعها استمرت تجارة الرقيق، واستطاعت دخول الحبشة والتوغل فيها، والسيطرة على ساحل البحر الأحمر وصولا إلى أديس أبابا، وحتى القرن التاسع عشر تمددت الإمبراطورية الفرنسية، بحيث تمددت ممتلكاتها في السنغال والحبشة والبحر الأحمر، والهدف السيطرة واستغلال الرقيق.
وقد اتخذ الاستعمار في أفريقيا غطاءً خاصا في التجارة، وهو الإتجار بالرقيق. وقد كان عصر الاستعمار هو عصر النخاسة، فكان الرقيق أغلى سلعة في التجارة الاستعمارية. لقد كان لفرنسا والبرتغال والإنجليز الدور الأكبر في هذه التجارة الآثمة، فالمحيط الأطلنطي كان مسرحًا للإتجار بالبشر الأسود، فالشحنات الآدمية تؤخذ من غرب أفريقيا عبر المحيط لتفرغها في العالم الجديد. لقد قدر البعض تجارة الرقيق في أفريقيا بنحو مائة مليون عبد تم اقتناصهم وصيدهم من السواحل؛ ليعيشوا في العالم الجديد. وهو ما شكل نزيفًا أصاب القارة الأفريقية بالضعف والهزل؛ فإذا كانت أوروبا تتهم العرب والإسلام -بالكذب والافتراء- بدور الجلاب، فلا شك أن أوروبا لعبت دور الجلاب والجلاد في آن واحد.
نفهم مما ذكر، أن القرن مر بثلاث مراحل؛ فالمرحلة الأولى: كانت تخص الثورة الفرنسية، والثانية: حرب الانفصال بين الشمال والجنوب الأمريكية، والأخيرة: قيام عصبة الأمم. ففي المرحلة الأولى سنة 1789م تم الإعلان عن الثورة الفرنسية؛ حيث التفت الجمعية التأسيسية وطالبت بإلغاء الرقيق، بل طالبت بإعطاء كل فرد ومواطن الحق في أن يقيم في الأراضي الفرنسية، إذ أعلن مجلس الثورة إلغاء استرقاق الزنوج في جميع المستعمرات الفرنسية. وعلى ذلك، فإنه يقرر بأن جميع الناس المقيميين في المستعمرات الفرنسية دون تمييز في اللون هم مواطنون فرنسيون ويتمتعون بالحقوق التي يضمنها الدستور.
في الختام، تسلط هذه المقالة الضوء على دور فرنسا في تجارة النخاسة واستغلال العبيد الأفارقة خلال حقبة الاستعمار، وكيف ساهمت هذه التجارة في توسيع نفوذها الاقتصادي والسياسي على حساب معاناة الشعوب الأفريقية. تُظهر هذه الحقبة التاريخية مدى وحشية القوى الاستعمارية في استغلال البشر بوصفهم سلع تجارية، مما ترك آثارًا مدمرة على المجتمعات الأفريقية التي لا تزال تعاني تبعاتها حتى اليوم.