أديب جودة يكتب :الدخان الأبيض… أنفاس الأمل في سماء الفاتيكان
أديب جودة الحسيني&أمين مفتاح كنيسة القيامة وحامل ختم القبر المقدس بالقدس الشريف

بين جدران الفاتيكان العتيقة، وفي أروقة الكنيسة التي حملت على عاتقها قرونًا من التاريخ الروحي، تتجه أنظار العالم إلى مدخنة صغيرة لا يتعدى ارتفاعها أمتارًا معدودة، ولكنها تحمل رمزية لا تضاهيها رمزية أخرى. بالأمس، ارتفع الدخان الأسود ليقول للعالم: “ما زلنا نبحث… لم نصل بعد.” كانت لحظة اختلطت فيها الترقب بخيبة الأمل، وكأن الروح لم تجد بعد من يقودها وسط العاصفة.
واليوم، القلوب معلّقة والأنفاس محبوسة، ننتظر من السماء أن تلبس بياضها، وننتظر من المدخنة أن تنفث دخانًا أبيض، دخانًا يرمز للاتفاق، للوحدة، للإلهام الإلهي الذي يُختار من خلاله من يحمل عصا القديس بطرس.
هذا ليس مجرد انتخاب، بل هو ولادة قائد روحي جديد لمليارات من المؤمنين، هو نبض يتجدد في قلب الكنيسة الكاثوليكية. هو الأمل في زمن كثرت فيه الانقسامات، وتاهت فيه البوصلة الروحية لدى كثيرين.
الكرادلة في الداخل يصلّون ويتشاورون، والأرض من حولهم تئن من الحروب، وتشتاق للسلام. هناك من يرى في هذا الانتخاب بداية عهد جديد، وهناك من يراه تكريسًا للثبات والتقاليد، لكن الجميع يتفق على شيء واحد: نحن بانتظار الدخان الأبيض، بانتظار كلمة “Habemus Papam”… لقد أصبح لنا بابا!
في هذه الساعات المصيرية، لا تهم الجنسيات ولا الألوان ولا اللغات، فالعالم كله يصير واحدًا، ينظر إلى المدخنة، يترقب ذلك اللون الأبيض الصافي الذي يحمل معه نبأ رجل اختير ليمشي على خطى القديسين، ويقود السفينة وسط بحر متلاطم.
فلتصعد الأدخنة البيضاء، ولتعلُ أجراس الفاتيكان، ولينبض قلب الكنيسة من جديد… فقد آن أوان البابا الجديد.