قاطرة الكلمة

عبير بسيوني تكتب : الثقافة قاطرة التنمية والابداع وأساس بناء جديد للحضارة المصرية

عبير بسيوني رضوان& وزير مفوض بوزارة الخارجية

يثير قرب افتتاح المتحف المصري الكبير، الأكبر بين متاحف الشرق الأوسط والعالم، والذي يعد حدث جليل وأمر عظيم تمر به بلادنا ويضع علينا أعباء القيام بنهضة جديدة تتناسب مع مسئوليات الحياة العصرية الجسام انطلاقا من واجب مصر الثقافي والحضاري، فالمصري هو صانع الحضارات.

الحضارة

والحضارة هي الفرق بين الانسان واي مخلوقات اخرى. ولا حضارة بدون ثقافة لها سمات مميزة، وتسعى للتزكية والسمو في المستقبل، وتعي دروس التاريخ وتبنى عليها.  والانسان بلا ثقافة لا يفهم الحياة، يعيش في وهم، افعاله كالظلام الذي يلفهم لا وجود حقيقي لها! يمارس فيه البشر البغضاء في نزاعهم، فتنطبع البغضاء في اساريرهم وسلوكهم ونوازعهم، تفقدهم القدرة على الحب، ويألفوا التحدي والوقاحة والتهور! 

ومن هنا أهمية المتاحف والمعالم الأثرية بما تلعبه من دور حيوي في الحفاظ على التاريخ وتثقيف الجمهور وتشكيل الروايات الثقافية، وتوفّير تجارب تعليمية لا تُقدَّر، وتسمح للزوار بالتفاعل مع الأشياء من فترات زمنية وأماكن مختلفة. وتحدث نهضة وتنمية سياحية لا حدود لها. والثقافة والعلم والعمل الصادق النافع منهاج اي بناء حضاري متين.

المتحف المصري الكبير

طه حسين يحكي عن حالة الثقافة

ويشرح د. طه حسين عميد الأدب العربي ومهندس بناء الثقافة المصرية-عن حق- حالة الثقافة “ان انسان هذا العصر يتنامى استهلاكه حتى في الطعام رغم ان المعدة واحدة ولكن الشهوة تزيد! وذلك هو عين التخلى عن المدنية وتحولنا الي عصور الوحشية! وهذا هو انحراف البشرية الي الهاوية! وبالثقافة فقط يتحقق التوازن المنشود. ان الروح اذا شاءت ان ترتفع فإنها تعانق المعجزات. المسألة تنحصر دائما في الخوف، خاصة وان المنافسة، وهي سمة حياتنا، مرة ومزلزلة للاعصاب.” 

نعم صدقت يا استاذنا العظيم يا وزير الثقافة المصرية عبر العصور. الظلام في عصرنا ينبع من الوحدة والغربة التى اصبحنا نعيش فيها في العوالم الخيالية من الانترنت ووسائل التباعد الاجتماعي (ويخدعونا بأنها للتواصل).

هذا ما جعل نفوسنا مظلمة برغم كل الاضواء التى تحيطنا وبالرغم ان عصور الظلام قد انتهت من قرون! وبسبب الظلام  يعيش ككل منا في عالم خاص به مغلق الابواب عليه. مجتمعون في مكان واحد او دولة واحدة، لكن كل منا جاء من مكان وحدته المختلف، متباعدين ومتقاربين، ولا يدري احد عن الاخر شيئا بالرغم من ان المكان واحد والزمان واحد.  هذه هي الوحدة التى أضحت المرض العضال الذي يهدد وجودنا. الثقافات المنعزلة المتباعدة.

يظنون انهم في سلام بفضل الظلام والصمت، الظلمة كفن لكل الاختلافات ولكل دواعي التفرقة الدينية والفكرية! أغراب في وطن واحد لا يعرفون له طابع مميز! الغنى ليس مالاً، ولكن أمناً! الفقر هو فقر المنزلة، وليس فقر المال! ولن نخرج من كفننا هذا الا بحلم وامل عميد الادب العربي د. طه حسين بأن تعود شجرة الثقافة المصرية باسقة.

إحياء الثقافة في مصر

أن الله قد هيأ لمصر من أسباب القدرة على إحياء الثقافة ونشرها ما لم يهيئ لغيرها من الأمم. والاستقلال الثقافي لا معنى له إلا إذا كان أخذًا وإعطاء؛ أخذًا لما تنتجه الأمم الأخرى من أنواع المعرفة، وإعطاءً لما ننتجه نحن من أنواع المعرفة. والحضارة لا تقوم إلا بالاستقلال العقلي والنفسي، وهما لا يكونا إلا بالاستقلال العلمي والأدبي والفني، ومن هنا كان الإيمان بمهمة التعليم والشعور بخطره وقدسيته.

ان الآداب والعلوم مقياس رقي الأمم واساس تكوين شخصيات سوية مرنة وقابلة للتكيف وقادرة على تعلم مهارات جديدة بسرعة، مع نقل معرفة عامة واسعة وتطوير القدرات الفكرية.

وتزاوج العلم بالأدب والفنون تمتد جذوره إلى أرض التاريخ البعيدة سواء عند علماء العالم عموما أو العرب والمسلمون مثل جابر بن حيان، ابن الهيثم، ابن سينا وغيرهم من العلماء الذين جمعوا بين العلوم التجريبية والعلوم الإنسانية. وقد كان هذا التزاوج آنذاك هو الواقع أما الآن فهو المأمول.

ومن أكبر مشاكل عصرنا ان فئات المجتمع المختلفة خضعت لألوان مختلفة من التعليم، ونظم متباينة ومناهج وبرامج ينكر بعضها بعضا، ويصدم بعضها بعضا، ونشأ عن ذلك اضطراب له آثاره الخطرية في حياتنا المصرية على اختلاف فروعها وألوانها.

ولا سبيل الي إزالة اثار الاختلاف في التعليم الخطيرة-كما أرشدنا د. طه حسين- إلا بأمرين الأول هو النهضة الوطنية القوية التى تتحدى أسباب الاختلاف فتقرب بين المصريين وتوحد غايتهم، وتلائم بين آمالهم وأعمالهم، وترفع من شأن الثقافة المصرية المتميزة ومتابعة الشأن العام. والثاني هو ان تكفل الدولة لأبناء الشعب تعلم مفردات الثقافة المصرية من اللغة العربية، لغة الشعب، وإتقانها؛ لأن هذه اللغة من أهم المقومات للشخصية الوطنية من جهة، ولأن هذه اللغة هي وسيلة التعامل والحياة بني أبناء الوطن الواحد.

مفردات الثقافة المصرية

وتشمل مفردات الثقافة المصرية ايضا التاريخ والجغرافيا المصرية والدين القومي، فهي ليست فقط من مواد الثقافة العامة التي لا يكون الشاب متحضرا ولا مستنريًا بدونها، ولأنه يصل بين قديم وطنه وقديم الإنسانية التي اتصلت بوطنه فأثرت فيه وتأثرت به، وما دام وطنه متصلا ً في الحاضر وسيتصل في المستقبل بالإنسانية متأثراً بها مؤثرا فيها فلا بد من أن توصل حياة الحاضر والمستقبل في نفس الشاب بحياة الماضي كما هي متصلة في الواقع؛ ليستطيع الشاب أن يلائم بين نفسه وبين الحياة الواقعة حني يتصور الصلة بينه وبين الناس وحين يحكم عليها ويتصرف فيها.. وجميعها أساسا من أسس التعليم.

والتعليم هنا لا يجب ان يكون نظامي فقط وانما مفتوح بما تتيحه اليات التطوير والتكنولوجيا الحديثة. ومن هنا كان ادراكنا للمهمة الأكبر للمتحف المصري الكبير والتى لا تقتصر على تقديم سياحة الآثار والحضارة المصرية القديمة ولكن تنمية الإبداع والتعليم والعمل على بناء حضارة مصرية جديدة بتنمية الثروة الإنسانية من المعرفة والعلوم.

المتحف المصري الكبير

وبالفعل يضم المتحف المصري الكبير بين جنباته بذور وفرص ذلك فيتيح أماكن خاصة بالأنشطة الثقافية والفعاليات مثل متحف للأطفال (نقترح ان يكون ايضا به ورش لتعليم الأطفال الفنون وبما في ذلك الرسم بالكومبيوتر)، ومركز تعليمي (نقترح ان يتخصص لعلم الروبوت والتكنولوجيا)، وقاعات عرض مؤقتة، وسينما، ومركز للمؤتمرات.

وتتكامل الأنشطة برعاية رجال الأعمال والشركات الكبرى لتسويق منتجات الورش واقامة الصلة الواجبة بين البحث العلمي الخالص وبين الحياة العملية، وللوصول للغاية المنشودة والمفقودة بالتعاون بين البحث العلمي والفن التطبيقي.

وتتكامل العلاقة بين المتحف الجديد وبين سوق العمل. اننا نأمل أيضا ان يرعى المتحف (وشركائه من رجال الأعمال والقطاع الخاص) جائزة ثقافية-علمية كبرى بمسابقة عالمية سنوية لمشاريع “الذكاء الاصطناعي” ليعيد دور الريادة لمهمة القرن بتشكيل “فريق المستقبل” من خبراء الهندسة وصناعات الروبوت.

ونؤكد على اهمية التخصص في مجال التعريب للذكاء الاصطناعي وأن نهيء لذلك السبل فيتخصص المركز التعليمي بالمتحف في ذلك، ويجمع في فريق المستقبل علماء اللغة العربية من الازهر وكليات دار العلوم والتربية وعلماء الرياضيات للوصول لمعادلات رياضية لعلم النحو ليحدث ثورة نوعية في التكنولوجيا واللغة معا، ويحمي لغتنا من الاندثار التكنولوجي بتطوير الذكاء الاصطناعي ليتمكن من التعرف على اللغة العربية بشكل أفضل فينشر التدريب والتعليم لجيل روبوت يساعد الأطفال العرب على التعلم والابتكار والابداع مع اللعب المفيد. وورش وهو اساس بناء حضاري جديد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى