عبير بسيوني تكتب : أنهم يقتلعون أشجار الزيتون: هل تتدخل الدول المتحضرة راعية البيئة لحماية كوكب الأرض من الممارسات الإسرائيلية
عبير بسيوني رضوان& وزير مفوض بوزارة الخارجية
سجل التّاريخ كثيٍر من الحروب الّتي شهدها العالم استخدامًا لسياسات الأرض المحروقة ذات الآثار الكارثيّة على البيئة، إلّا أنّ أساليب الحرب الحديثة تعتبر أكثر ضررًا من كلّ ذلك، فتطوّر الأسلحة الكيميائيّة والأسلحة النوويّة جعل للنّزاعات المسلّحة آثارًا مستدامةً امتدّت لسنواتٍ طويلةٍ بعد وقف الأعمال القتاليّة. وبشكل عام تنقسم آثار الحروب في تدمير البيئة الي ثلاث: على الانسان، وعلى الماء، وعلى الحيوان والنبات. فالاعمال الحربية تساهم في تدمير البيئة ومن الأعمال الحربية التي لها الأثر الأخطر في تدمير البيئة مثل:
الألغام الأرضية
الألغام الأرضية: فنتيجة لآخر خمسين عامًا من الحروب، ما زال يوجد ما يتراوح بين 70-100 مليون لغم أرضي في أنحاء العالم، والتى تعمل على تدمير البيئة بعدة طرق، منها: تفجيرات الألغام تؤثر على العمليات الأساسية للتربة والمياه، وتُعطل تدفقات المياه.
كما أن الخوف من التفجيرات يحد من الوصول إلى الأراضي الزراعية والموارد الطبيعية الموجودة فيها. مع إجبار السكان على الانتقال من أماكن عيشهم إلى مناطق هامشية لتجنب مناطق الألغام، مما يؤدي إلى تغيير في التنوع البيولوجي في المنطقة. فضل عن ان انفجار الألغام يقتل الإنسان والحيوانات الأليفة والحياة البرية، مما يؤدي إلى تحطيم أنظمة التربة وتدمير الحياة النباتية.
القصف الجوي والبحري
القصف الجوي والبحري: يدمر القصف الجوي والبحري البنية التحتية اللّازمة لعيش الإنسان، وإجباره على الانتقال والنزوح والبحث عن أماكن أخرى للعيش فيها، بسبب ما يُخلفهُ القصف من خراب وتدمير للمدن والغابات وشبكات الري والنقل.
القنابل النووية والذرية: تُعد من أكثر الأسلحة المدمرة والفتاكة التي تقتل كافة أشكال الحياة فور سقوطها على المنطقة، وتنتج عنها انفجارات كارثية، وتنتشر منها إشعاعات شديدة، من الممكن أن يؤدي التعرض لها إلى تغيير في الحمض النووي وحدوث تشوهات جينية على البشر والحيوانات، وظهور الأمراض والأورام السرطانية على المدى البعيد، بالإضافة إلى قدرة هذه الأسلحة على تدمير طبقة الأوزون، وتسريع آثار الاحتباس الحراري وزيادة درجة الحرارة.
حيث ينتج عن انفجار القنبلة النووية موجة حرارة وضغط شديدين، ممّا يؤدّي إلى إشعال الحرائق، كما يتسبّب الانفجار بانهيار المباني، وموت أعداد من السُّكان، بالإضافة إلى إطلاق كمية إشعاع كبيرة تتمثّل بظهور غيوم من جُزيئات مُشعّة من الغبار، إلى جانب حطام القنابل، والتي تنتقل عبر الرياح إلى مسافات شاسعة، فتدخل إلى مصادر المياه مُسبّبةً تلوّثها، كما أنّها قد تؤدّي إلى حجب أشعة الشمس، ممّا يسبّب اختلال في درجات الحرارة، وخفض عملية التمثيل الضوئي في النباتات والبكتيريا، وهذا بدوره يؤدّي إلى إحداث خلل في السلسلة الغذائية، وانقراض في أشكال الحياة.
الحروب والدمار البيئي
إنّ الحروب لديها القُدرة على إحداث دمار بيئي كبير للتُّربة، والأراضي الزراعية، بالإضافة إلى تلويث الهواء والماء، وإلحاق الضرر بالمصادر الطبيعية، ممّا يؤثّر على حياة الإنسان، وصحته، ونمط معيشته، ممّا يتسبّب بمشاكل بيئيّة قد تحتاج بعدها المناطق المستهدفة إلى عقود طويلة حتى تعود إلى طبيعتها. فضلا عن إدخال أنواع من النباتات والحيوانات إلى موطن جديد غير موطنها الأصلي حيث لا يقتصر ما تحمله طائرات الشحن، والسفن الحربية، وغيرها على الجنود، والذخائر، والمعدّات فقط، بل يتعدّى ذلك عبر هذه التحرّكات، وهو الأمر الذي قد يؤثّر سلباً على الحيوانات الموجودة أصلاً في هذه المواطن الجديدة.
أما أهم الآثار السلبية هو انهيار البنية التحتية حيث تستهدف الحملات العسكرية في الحروب مواقع البنية التحتيّة في البلاد من طرق، وجسور، ومرافق عامة، وغيرها، ممّا يؤثّر سلباً بشكل غير مباشر على البيئة، فمثلاً يؤدّي تدمير محطات معالجة مياه الصرف الصحي إلى تدهور جودة المياه.
كما قد يتسبّب قصف مصانع المواد الكيميائية بتسرّب السموم منها. كما قد تؤدّي زيادة الطلب على بعض المنتوجات في مجالات الصناعة، والزراعة، وغيرها بهدف دعم المجهود الحربي في مناطق الحروب، أو حتى تلك المناطق التي لم تتأثّر مباشرة بالحرب إلى إلحاق الضرر بالبيئة الطبيعية، ومثال ذلك قطع العديد من الأشجار من المناطق البرية لتلبية المطالب الحربية على المنتجات الخشبيّة، أو لتوفير مصدر دخل لشراء الأسلحة. للتعرف أكثر على تأثير الإنسان على البيئة.
اسرائيل أخطر دولة على البيئة:
لم يحدث على مدى تاريخ الانسانية (الحديث والقديم) أن قامت دولة واحدة كاسرائيل بالقيام بكافة وجميع الأعمال الحربية التى تستهدف البيئة بشكل مباشر وبتعمد تدمير النظام الحيوي بشكل شبه كامل للمناطق التى تضربها، بما يصعب الحياة البشرية ويعقدها ويصل الي استحالتها بهذه المناطق نتيجة التلوث البيئي الخطير الذي يخلفه وينعكس بشكل مباشر على صحة الإنسان الذي يعيش فيه.
فالملفت للنظر أن كمية القنابل والقذائف التى استخدمتها اسرائيل في غزة والضفة ولبنان منذ 7 اكتوبر 2023 حتى الآن تفوق تأثير العشرات من القنابل الذرية، وان كمية المواد المتفجرة التي سقطت على قطاع غزة وحده تقارب في المستوى التدميري 20 قنبلة نووية أمثال تلك التي سقطت على هيروشيما ونيجازاكي خلال الحرب العالمية الثانية عام 1945وهذا يشير إلى قوتها التدميرية في القضاء على البنية التحتية ومدى خطورتها على الحالة البيئية.
وتزداد جسامة الأمر بالنظر الي ما يثار بأن الصواريخ المستخدمة حاليا تطلق منها غازات دفيئة ومواد كيميائية مثل الألومينا، مما يساهم في تلويث طبقة الستراتوسفير، وعلى المدى البعيد، قد يؤدي ذلك إلى تراكم هذه الملوثات وربما حتى تسبب تلفًا في طبقة الأوزون. كما أن القصف المتواصل على قطاع غزة أسفر عن تجمع سميك للغبار في الجو، وهذا ليس فقط يشكل تهديدًا للصحة العامة، ولكنه سيؤثر أيضًا على المحاصيل الزراعية والمسطحات المائية.
أسلحة ضرب غزة ولبنان والعراق وإيران
اما بالنسبة للأسلحة التى تستخدمها اسرائيل في ضرب غزة والضفة ولبنان وجولان والعراق وايران فمعظمها أسلحة محرمة وذات خطر إشعاعي وجميعها تحتوي على معادن ثقيلة ومواد مشعة تسبب تلوثاً إشعاعياً خفياً إضافة إلى ما يحدثه القصف من تلوث هوائي نتيجة انتشار الأغبرة والأتربة المحملة بالمواد السامة بحسب خبراء ومختصين في هذا المجال. ويذكرون على سبيل المثال أنه بعد حرب اسرائيل عام 2012 على غزة أظهرت نتائج عينات من التربة تعرضها للتلوث الإشعاعي، ف50% من تربة قطاع غزة ملوثة بمعادن ثقيلة ومشعة تضر بالبيئة والصحة بشكل خفي وخطير.
أشجار الزيتون
أن اسرائيل لا تتورع عن القيام بأعمال تخريبية متعمدة وجديدة لتدمير الانسان والزراعة والمياه وغيرها من مقومات البيئة الأساسية حتى ليتأكد لنا إنهم يقتلعون أشجار الزيتون ولا يكتفون بحرق غصون الزيتون وسبل السلام، فمثلًا تأثر قطاع الزراعة في غزة ولبنان بشكل كبير جراء المعارك والقصف الاسرائيلي المباشر على الأراضي الزراعية، حيث تلوثت التربة فضلا عن نزوح المزارعين وتعطل سلاسل التوريد وتضرر البنية التحتية مما أدى إلى كارثة زراعية في غزة وتوقف صادراتها تمامًا.
احتراق 60 ألف شجرة في لبنان
وفي جنوب لبنان احترقت اكثر من 60 ألف شجرة زيتون بالكامل في الوقت الذي يعتبر لبنان بلداً مصدّراً لزيت الزيتون، وخسر القطاع الزراعي حتى الآن أكثر من 3 مليارات دولار، وتدمرت قطاعات اقتصادية بأكملها.
وهنا لابد من التوقف طويلا عند التفكير الاسرائيلي بضخ مياه البحر في أنفاق غزة لهدم الانفاق وللقضاء على حركة حماس وهو ما يعنى تدمير الزراعة تماما وتمليح الأرض الزراعية. كما ان عدم اكتراث اسرائيل بحجم الضحايا الأبرياء من المدنيين بما في ذلك الأطفال والنساء بالمسيرات وبالصواريخ وبتفجير الموبايلات ثم أجهزة البيجر بمنطق القضاء على “اعدائهم” من عناصر حما س في غزة والضفة، وحزب الله في لبنان وسوريا.
وهكذا فمنذ 7 اكتوبر 2023 وحتى الآن تقوم اسرائيل بجميع اشكال تدمير البيئة بالأراضي الفلسطينية المحتلة وفي لبنان وفي غيرها من المواقع التى تستهدفها تحت مسميات مختلفة من مكافحة الإرهاب، من الانتقام، من التطهير، من الابادة وغيرها من افتراءات وادعاءات لا يمكن قبول فيها الاستخدام المفرط للقوة من ناحية الذي تقوم به اسرائيل والتوسع المتعمد في التدمير وتوسيع دائرة الحرب وتعمد اطالتها من جهة ثانية.
كما أن التأثيرات الناجمة عن هذه الهجمات الاسرائيلية واسعة النطاق، وبشكل خاص في القضايا البيئية التى تأكد أنها كارثية، وأنها ولدت تحديات غير متوقعة.
ومن الآثار الواضح بشكل كبير تفاقم الظروف المعيشية ووصولها لحد المجاعة في غزة. وبالطبع فإن هذا التفاقم نتيجة لتدمير البنية التحتية وتعطيل الخدمات الأساسية، مما يقلل بشكل كبير من قدرة السكان على التصدي لمتطلبات الحياة وكذلك لتأثيرات التغيرات المناخية حتى أصبحت أزمة معقدة تمتاز بأبعاد إنسانية، بيئية، صحية، ومناخية.
1.2 مليون نازح
ان نموذج التدمير البشري الذي تقوم به اسرائيل ويصمت امامه العالم ليس له مثيل وحجم الخسائر في الأرواح واسلوب الاغتيالات لاسرائيل لخصومها حتى من المسؤلين الحكومين هي افعال لم تحدث من قبل وتعد جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية. كما انه ما يحدث في غزة من تهجير قسري وشتات لمليوني فلسطيني وأزمة نزوح في لبنان، غير مسبوقة، مع وجود 1.2 مليون نازح خلال أسبوع واحد، وما يتطلبه ذلك من توفير المأوى والطعام والعلاج، وفي نفس الوقت ضرب اسرائيل لمخيمات ومستشفيات ومدارس الأونروا بفلسطين وقوات اليونيفيل في لبنان، هو جريمة بيئية كاملة وانتهاك متصل لحقوق الانسان ويجعلها أكبر عدو للبيئة.
حماية البيئة يستوجب وقوف المجتمع الدولي امام ممارسات اسرائيل التدميرية:
الحق في البيئة معترف به كأحد حقوق الإنسان، وهذا الحق يجعل الحكومات هي المسئولة بشكل مباشر عن أيّ خلل يقع ضمن النطاق البيئي، ويعطى قوة نفاذ للقرارات القضائية.
وقد اعتمد مجلس حقوق الإنسان قراره الأول بشأن حقوق الإنسان والبيئة في 2011، وتنص دساتير155 دولة على”حق المواطن في بيئة نظيفة” ولكن لا تتوافر قوانين لكيفية حماية هذا الحق وتفعيله، فلكل منا حق وواجب في حماية البيئة والتى على رأسها الأرض بمحتوياتها والمناخ.
كما إعترف القانون الدولي المعاصر بأن الانتهاك الخطير لحقوق الانسان هو من الشأن الدولي الذى يستدعي التدخل الدولي واختلف في تحديد مدي الانتهاك ومتى يتوجب التدخل وشروطه وصورته (فردية كانت أم جماعية أم أممية) ووسائله وغيرها من أمور خلافية. وشهدنا انتشاراً وتزايداً في استخدام حماية حقوق الانسان في التدخل الدولي (أو ما يطلق عليه اختصاراً التدخل الانساني Humanitarian Intervention).
فالقانون الدولي يعبر عن المبادئ والمعايير السائده في المجتمع الدولي مما يجعله نتاج للنظام السياسي الدولي الذى يصوغه، والقانون البيئي الدولي يجعل حماية البيئة أولوية، ووقف الحروب وتحميل الدول التى تسبب الدمار مسئولية قيامها بهذا الجرم، وأن صمت الدول المدعية حماية حقوق الانسان وراعية البيئة على جرائم اسرائيل الانسانية والبيئية عار علينا جميعا.
وبالتالي فهناك حاجة عاجلة لفرض عقوبات “بيئية” على الدول المفرطة الاستخدام في الأسلحة وبخاصة على اهداف مدنية تتحدد بحسب حجم الأضرار والخسائر واستخدام اساليب حقوق الانسان في هذا الصدد “التسمية بالأفعال المشينة” Name & Shame.من خلال تقديم دراسة حالة الموت والخراب والمرض للانسان والنبات والحيوان والتلوث الاشعاعي والهوائي والأرضي والتصحر بعض من آثار معاناة البيئة من جراء الحرب على غزة ولبنان وطرحها على جميع المحافل لحقوق البيئة وحقوق الانسان ومجالس الأمن وقمم التنمية والنمو الاقتصادي وغيرها.
تعليق واحد