قاطرة الكلمة

عبير بسيوني تكتب :الحالة الإنسانية الكارثية في السودان تستدعي اعادة النظر واقامة هيئة اغاثة عربية

عبير بسيوني رضوان& وزير مفوض بوزارة الخارجية

أهلنا بالسودان في ضيقة – نداءات دولية بلا استجابة:
في 13 اكتوبر الجاري2024 وجهت 8 منظمات إنسانية دولية نداء مشترك للأمم المتحدة والمجتمع الدولي تعرض فيه “إن الحرب المستمرة منذ عام ونصف العام في السودان حولت حياة السكان العالقين في مناطق القتال إلى “جحيم”.

ووفقا للنداء الصادر عن المجلسين النرويجي والدنماركي للاجئين، ومنظمات “كير” و”جول” و”بلان” و”الإغاثة” و”إنقاذ الطفولة” و”سوليداريتي” الدولية، فإن الجهود المبذولة حتى الآن للحد من العنف وإنهاء معاناة السودانيين ليست كافية. وتتفاقم الكارثة الإنسانية بشكل كبير، مع وصول الحرب إلى 13 ولاية من ولايات السودان الـ18.

ووفقا للمنظمات الثماني، فإن مدنا مثل الفاشر أصبحت “جحيما على الأرض لآلاف النساء والأطفال، وغيرهم من الضعفاء”. وشهد الشهر الماضي تصعيدا إضافيا للأعمال العدائية، بما في ذلك القصف الجوي، مما عرض حياة 2.8 مليون شخص في الفاشر وحولها وفي شمال دارفور للخطر.
كما نبهت منظمة الصحة العالمية إلى أن الأزمة في السودان أصبحت من أشد الأزمات وأكبرها في العالم وخلفت تكلفة بشرية هائلة بعد عام من الصراع العنيف. وأفادت المنظمة بوفاة أكثر من 15 ألف شخص منذ بدء النزاع المسلح، وجرح العديد من الأشخاص وفقا لإحصائيات وزارة الصحة السودانية و”مشروع بيانات ومواقع أحداث الصراعات المسلحة”.


ورصدت أخبار الأمم المتحدة ما يلي عن ملامح الوضع الانساني في السودان:

منذ اندلاع القتال بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل 2023 فإن-وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة -يواجه حوالي 25.8 مليون شخص-أي أكثر من نصف سكان السودان- الجوع الحاد بما في ذلك أكثر من 755,000 شخص على حافة المجاعة، وبحاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية.

عدد النازحين في السودان

يقدر عدد النازحين في السودان الآن بنحو 10.7 مليون شخص (2.1 مليون أسرة) ولجأوا إلى 7,251 موقعًا.
تجاوزت اعداد من عبروا الحدود منذ 15/4/2023 حوالي 2.4 مليون وفقا لمفوضية اللاجئين، منهم 660 ألف شخص إلى جمهورية جنوب السودان، و579 ألف شخص إلى تشاد، و500 ألف شخص إلى مصر.
وصل 128 شريكًا في المجال الإنساني إلى حوالي 7.1 مليون شخص في جميع أنحاء البلاد بشكل من أشكال المساعدات الإنسانية في خضم بيئة عمل صعبة وتمويل محدود في حين الأشخاص المستهدفون بالمساعدات أكثر من 14.8 مليون في عام 2024 وأنه بينما الاحتياجات تتجاوز 2.7 بليون دولار وفقا لتقديرات 2023 فإن نسبة التمويل لم تصل الي النصف.
الكارثة الإنسانية في السودان تشمل مجموعة متنوعة من الأزمات الإنسانية والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية. وفقًا لتقرير من الأمم المتحدة، يعاني حوالي 5.1 مليون شخص في السودان من الفقر الحاد، وهو ما يشكل حوالي 14.3% من السكان.
يأتي هذا بالتوازي مع انتشار الأمراض المعدية، وارتفاع معدلات سوء التغذية وسط الأطفال. ويحاصر الجوع 26 مليون شخص في البلاد، يعاني حوالي 34% من الأطفال سوء التغذية أو سوء التغذية الحاد.
أما عن النازحين، فوفقا “لمصفوفة تتبع النزوح” التابعة لمنظمة الدولية للهجرة، توجد أعلى نسبة من النازحين في ولايات جنوب دارفور (11%)، ونهر النيل (10%)، وشرق دارفور (10%). وكان النازحين قد نزحوا في الأصل من 12 ولاية. ونزح حوالي 53% منهم، 3.6 مليون، من ولاية الخرطوم، تليها ولاية جنوب دارفور (14 %)، ثم ولاية الجزيرة (10%)، وشمال دارفور (9%)، ووسط دارفور (4 %)، وولايات أخرى.

منظمة إنقاذ الطفولة


من ناحية أخرى ذكرت “منظمة إنقاذ الطفولة” إن معدلات الوفاة بسبب تفشي الكوليرا ارتفعت إلى 3 أضعاف مما كانت عليه، مما عرض الآلاف من الأطفال لخطر المرض مع استمرار ارتفاع أعداد الإصابات، حيث يعيق الصراع الوصول إلى العلاج في ظل خروج أكثر من 80% من المستشفيات عن الخدمة. وأشارت صفحة اليونسيف انه تم الإعلان رسمياً عن تفشي وباء الكوليرا في 12 أغسطس 2024 من قبل وزارة الصحة الفيدرالية السودانية بعد الإبلاغ عن موجة جديدة من حالات الكوليرا بدءاً من 22 يوليو 2024. وفي الفترة ما بين 22 يوليو و15 سبتمبر، تم الإبلاغ عن 8,457 حالة إصابة و299 حالة وفاة في ثماني ولايات في السودان. وان السودان يواجه حالات تفشي أمراض متعددة بما في ذلك الكوليرا والملاريا وحمى الضنك والحصبة والحصبة الألمانية.

ويقدر أن حوالي 3.4 مليون طفل دون سن الخامسة معرضون بشكل كبير لخطر الإصابة بالأمراض الوبائية. وتنبع الأزمات من الانخفاض الكبير في معدلات التطعيم وتدمير البنية التحتية للصحة والمياه والصرف الصحي والنظافة نتيجة للصراع المستمر. كما أن تدهور الوضع الغذائي للعديد من الأطفال في السودان يعرض الأطفال لخطر أكبر. هذا وانخفضت نسبة تغطية التحصين الوطنية في السودان من 85% قبل الحرب إلى حوالي 50%. وفي مناطق النزاع النشطة يبلغ متوسط معدلات التحصين 30%. وقد تعرقلت عملية تسليم إمدادات اللقاح وأنشطة التحصين الروتينية بسبب المخاوف الأمنية وعدم إمكانية الوصول إليها.

دبلوماسية الاغاثة والحاجة لهيئة اغاثة عربية/أفريقية/أممية:

ظهر بشكل جلي أن عجز منظمات الإغاثة الإنسانية عن إغاثة الملهوف من ضحايا الارهاب والحروب او إنقاذ المنكوب بالكوارث الطبيعية ينبع من عدم وجود اختصاص اممي أصيل وواضح للإغاثة مع عدم توفر إرادة سياسية واضحة من المجتمع الدولي متمثلة في قدرة على اتخاذ القرارات والتفاوض مع السلطات المحلية وتسيير عمليات إغاثة فورية غير مسيسة.

مما يتطلب تنسيق جهود المجتمع الدولي في هيئة اممية لا تتوفر حاليا بديلة لما يتم من جهود فردية، خاصة وأن كيانات الأمم المتحدة المسئولة بشكل أساسي عن تقديم المساعدات الإنسانية مفتتة وموزعة بمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية ومنظومة الأمم المتحدةOCHA،ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية والصندوق المركزي للاستجابة لحالات الطوارئ CERFوكذلك برنامج الأمم المتحدة الإنمائي(UNDP)ووكالة الأمم المتحدة للاجئين(UNHCR)،ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (UNICEF)،وبرنامج الغذاء العالمي (WFP)كما تنسق منظمة الصحة العالمية الاستجابة لحالات الطوارئ الصحية الإنسانية.
 وبالرغم من كل هذه الهيئات الأممية وغيرها من المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية (واهمها: اللجنة اللجنة الدولية للصليب الأحمرICRC ولجنة الكوارث والطوائء البريطانية (DEC)ومنظمة الإغاثة الإسلامية)، فإن الواقع يؤكد أنه لا يوجد بهذه المنظمات كيان له قدرة مباشرة في التفاوض والتعامل ولا يتوفر له آليات جاهزة.

هيئة إغاثة مختلفة

ومن هنا أهمية إقامة هيئة إغاثة مختلفة وعملية قوامها الأساسي اسطول توفره الدول المشاركة في عمليات الإغاثة بكل حالة من خلال اتفاقات تشغيل مرنة للهيئة ومع موفري خدمات النقل والشحن (باسطول نقل افرادوبضائع)ومع فرق الإنقاذ السريع (مطافي وانقاذ بحري وقوافل طبية مجهزة بسفن وطائرات متخصصة لإغاثة الملهوف وإنقاذ المنكوب)،وتنفيذ عمليات البحث والإنقاذ والتدخل السريع لإنقاذ المصابين وانتشال الضحايا وتقديم الدعم الطبي والإداري لهم.
وبهذا تظهر، في أوقات الكوارث والأزمات التى تعاني منها وتعايشها منطقتنا، أهمية الدبلوماسية الانسانية وبخاصة دبلوماسية الكوارث Counter-Disaster Diplomacy أو دبلوماسية الإغاثة Provide Comfort Diplomacy Relief وكلاهما مفهوم يركز على كيفية تصرف الدول عندما تتعرض دولة أخرى لكارثة مثل الزلازل والحرائق وانتشار الأوبئة أو القصف للمناطق المدنية. وتهدف هذه الدبلوماسية إلى تقديم المساعدة والإغاثة الإنسانية، وتقديم الخبرة والتكنولوجيا للتخفيف من آثار الكارثة أو منعها تمامًا. 

من أمثلة نجاح دبلوماسية الكوارث، دور مصر في مواجهة وباء كورونا (كوفيد-19) حيث قدمت المساعدات والمنتجات الطبية للعديد من الدول خاصة الأفريقية. وتسهم هذه الدبلوماسية في بناء قوة الدولة الناعمة Soft Diplomacy كما يعزز التعاون والتفاهم بين الدول في ظل الكوارث والأزمات. ومن تظهر أهمية دبلوماسية الكوارث عربيا التى نفتقدها على آليات التنسيق الإقليمي ويما يستدعي دراسة والوقوف السريع على مناطق الضعف أو الدعم المطلوب كالتوسع في إنشاء مراكز إدارة الأزمات، وخلق آليات تنسيق إقليمي عربية، وتجهيز كوادر عربية مدربة، وفرق إنقاذ عربية على غرار فريق الإنقاذ الصينـي، وربما هيئة إغاثة عربية ذات توجه إنسانى بالأساس.

مبادرة مصرية لتدويل خدمات مركز البحث والانقاذ المصري وتوسيع مجال عمله ليصبح هيئة اممية للإغاثة الإنسانية، بداية يجب التأكيد ان اختصاص الهيئة المقترحة يجب ان يكون غير مسيس وهدفه إيصال المساعدات الإنسانية للمنكوبين واغاثة الملهوفين. وليس له قدرة على التدخل في حالة النزاعات المسلحة وحيث يعتمد على توفير حالة امن مؤقته كافية لتأمين عمليات سريعة من الاجلاء او إيصال المساعدات.

مواقف مصر الإنسانية في غزة ولبنان والسودان

وانطلاقا مما لمسناه من مواقف مصرية انسانية رائدة جرت في غزة والسودان ولبنان وبالدول الافريقية أثناء أزمة الكورونا وأزمات الحروب المتتالية، ووعي مصر المبكر بأهمية وجود لجنة دولية للاغاثة بها(1984)ودعمها ب”لجنة افريقيا”(2020) لتتولى تقديم المساعدات للشعوب الافريقية في حالات الازمات والكوارث الطبيعية. فالطرح العملي لهيئة إغاثة مصرية مدعومة بالاختصاص والاليات اللازمة من موارد الصندوق المركزي لمواجهة الطوارئ للأمم المتحدة وغيره مما يتم انشاءه لتمويل اتفاقيات تشغيل للهيئة خاصة وان لدينا مركز متخصص للبحث والانقاذ وشبكة وطنية للطوارئ يمكن تطويرها اقليما بتسيير القوافل الطبية المصرية او ارسال فرق الإطفاء او الإنقاذ البحري او تأجير خطوط شركة مصر للطيران بشكل مماثل لاتفاقيات المشاركة في قوات حفظ السلام.

وأساس الهيئة الجديدة متوفر ولا يتطلب سوى تدويل خدمات مركز الإنقاذ المصري وتفعيل دوره اقليميا وتوسيع الشبكة الوطنية الموحدة لخدمات الطوارئ والسلامة العامة في التعامل مع الازمات والطواريء لبتلقي كافة البلاغات واشارات الاستغاثة اقليميا وتطويره الي هيئة اممية للإغاثة الإنسانية للمنطقة (العربية/الإسلامية/الافريقية) ويكون له اختصاص أصيل وصفة دولية للتفاوض مع السلطات المحلية في دول المنطقة التى تواجه مواقف صعبة بتفويض أممي او اقليمي لتقوم بتوفير حلول سريعة (بتمويل صندوق الطوارئ للأمم المتحدة)من خلال اتفاقات تشغيل مرنة للهيئة مع موفري خدمات الإغاثة التى توفرها الدول المشاركة في كل حالة.

وبالاستفادة من التفوق الواضح لاساطيل مصر وخبرة الشركات الوطنية المصرية الجوية والبحرية في الملاحة خاصة وأن مصر للطيران أول شركة طيران عربية (تأسست 1932) وسابع شركة طيران بالعالم ودورها والشركات المصرية الأخرى معروف في عمليات الإغاثة الدولية وفي تسيير القوافل الطبية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى