قاطرة الكلمة

عبير بسيوني تكتب : أكتوبر النصر ..مبعث الإلهام المتجدد وقاطرة الأمل في مصر..وتذكير بأن بالزراعة يستمر النصر لمصر

عبير بسيوني رضوان& وزير مفوض بوزارة الخارجية

51 عاما على العبور الكبير، وما زال الشعب المصري يستثمر في أفضل ما قدمه في تاريخه الحديث، وهو نصر اكتوبر المجيد الذي يؤكد أن أصل كل نجاح هو فلاح مصري يقطر شعبه نحو الحرية والتنمية. فها هو رجل الحرب والسلام يقدم نفسه فى الصفحة الأولى من كتابه “البحث عن الذات” فيقول:”أنا أنور السادات..فلاح نشأ وتربى على ضفاف النيل، حيث شهد الإنسان مولد الزمان!”.

اكتوبر عند المصريين هو نقطة البدء لكل عمل عظيم. فلهذا الشهر منزلة خاصة منذ القدم لدى كل فلاحين مصر وأظن ظنا كبيرا أن بطل نصر اكتوبر المجيد وسلام سيناء العظيم الرئيس الراحل محمد انور السادات اختار توقيت شهر اكتوبر لحرب النصر لأنه بداية السنة الزراعية بعد انحسار المياه في موسم فيضان اغسطس-سبتمبر (موعد بدء العام القبطي أي “المصري”/الزراعي)، وفيه يجد المزارعون تربة خصبة وأرض مروّاة بالمياه العذبة لزراعة محاصيلهم، فللزراعة (بمقتضياتها من أرض ومياه) قدسية عريقة للمصري في كافة حالاته، ومصرنا معروفة من زمان بأنها “أرض الفلاحين”. 

أكتوبر وموعد حمل الفلاح سلاحه

واكتوبر منذ نشأة مصر القديمة هو موعد حمل الفلاح لسلاحه، فأسه، لكي يستخرج قوت أهله، بزرع الأرض. وعندما احتلت أراضيه، استبدل- عام 1973-الفلاح المصري الفأس بالسلاح، ليبدأ مع موسم الزراعة معركة النصر واسترداد الأرض عرض الفلاح. ودور الفلاح المصري المقاتل في نصر اكتوبر ضرب أعظم الأمثلة في الشهامة والرجولة من أجل تحرير الأرض وصيانة العرض ورفع راية الشرف.

واستطاع الجندي الفلاح الذي كان يقاتل من أجل تحويل الأرض الجرداء جنة خضراء ان يحول رمال سيناء إلى نيران ملتهبة تحرق كل من حاول أن يدنس أرضها، استطاع ان يرفع راية الوطن عالية خفاقة واقسم الا يدوس أرضها كل معتد اثيم. وهكذا قالها كبير الفلاحين الرئيس الراحل/السادات “ان هذا الجيل من فلاحي مصر يسلم الراية مرفوعة إلى الاجيال القادمة”.

كما قالها بصوت عالي “الان أصبح لهذا الشعب درعا وسيف”. وبعد العبور عاد هذا الفلاح لا ليحمل السلاح ولكن ليحمل الفأس من أجل التنمية والبناء لتحقيق الأمن الغذائى للمصريين، وها هو اليوم يجاهد لكي يقود الاقتصاد المصري بالتصنيع الزراعي وانتاج الجيل الثالث والرابع من الطاقة الحيوية بالزراعات الجديدة واعادة تدوير المخلفات الزراعية.

دائما ما ربح الرهان على المصريين ووعيهم وحرصهم على المصلحة العليا للبلاد، فعند الشدائد يظهر النفيس ويتميز. ويطيب لي التذكير بأنه خلال حرب أكتوبر، طرحت الحكومة المصرية سندات الجهاد من أجل تمويل متطلبات الحرب (وهى عبارة عن شهادات استثمارية من أجل المشاركة المجتمعية فى الحرب ماليا) تحت شعار “شارك فى ملحمة النضال الوطنى”، وتم الطرح فى البنك المركزى وفروعه وجميع البنوك التجارية المصرية، وتضمنت الفئات المالية 50 قرشا، جنيها واحدا، 5 جنيهات، 10 جنيهات، 100 جنيه، بفائدة 4.5% سنويا ومعافاة من الضرائب، كما لا يجوز الحجز عليها، وبلغت حصيلة تلك السندات بعد شهر واحد فقط من بدء الحرب 7 ملايين جنيه وهو رقم جيد جدا بمعدلات هذا الوقت.

دودة ورق القطن في الصعيد

كما أنه في عام 1973حدثت إصابة شديدة جداً بدودة ورق القطن في الصعيد ولأول مرة كانت الإصابة جديدة على جميع معاهد البحوث الزراعية فى ذلك الوقت وتم استعمال الطائرات لرش الدودة لأول مرة فى العالم وتم إنقاذ المحصول وتحقق المطلوب من عمليات المقاومة, بفضل التنسيق الأمثل بين وزارة الزراعة وأقسام وقاية النبات في كليات الزراعة، وقادت وزارة الانتصارات ووزير الزراعة انذاك  الدكتور محمد محب زكى رائد الارشاد الزراعي، جهود إعداد الدولة للحرب وتعزيز المجهود الحربي تمهيداً لحرب 6 أكتوبر وبالفعل- وبفضل انشائه المجلس الأعلى للارشاد الزراعي- وُضعت كثير من الدراسات التى أضافت الكثير إلى الزراعة المصرية ولمسايرة الثورة الخضراء.

التغلب على التسعير والتسويق في القطاع الزراعي

كما تمت محاولة التغلب على التسعير والتسويق في القطاع الزراعي وقد أجريت لأول مرة في محافظة المنوفية, بلد الرئيس السادات وبلدي، تجربة خاصة بالتسويق التعاوني للقطن قام بها الاتحاد الزراعي التعاوني، وكان هناك تنسيق كامل مما أعطى لهذه التجربة النجاح. أما البطل المقاتل/ د. محمد نور الدين خريج كلية العلوم وبطل عملية كبريت وصاحب فكرة تحلية المياة المستشار والخبير الدولى بمنظمة الامم المتحدة أحد أبطال موقعة كبريت بحرب اكتوبر المجيدة (والذي كان ملازم أول احتياطي مع مجموعة من ضباط أبطال ظلوا محاصرين لمدة 134 يوم في موقعه حتي قام البطل محمد نور الدين باختراع وسيله بدائية لتقطير المياه لمجموعة كبريت المحاصرة وحتي لا يستسلموا للعدو) حصل على نوط الشجاعة من الدرجة الأولى من الزعيم الراحل القائد محمد أنور السادات، ودرع التفوق العسكرى من الرئيس عبدالفتاح السيسى، وبعد الحرب لم يكتفى ببطولاته الحربية، بل سلك طريق العلم واصبح عالما مصريا فى مجال البتروكيماويات ومجالات اخرى كثيرة تعلم على يده الكثير من القيادات.

وهكذا هم فلاحين مصر جيش مصر الأخضر، بيده حمل السلاح لصيانة الأرض والعرض، وبيده الآن يحمل الفأس للخير والنماء لشعب مصر. لهذا انتصر شعبنا على عدوه، الذي ما زال الي الآن يقتلع أشجار الزيتون ولا يكتفي بحرق غصون الزيتون.

التنمية الزراعية قلب ومصدر الحياة لمصر

التنمية الزراعية قلب ومصدر الحياة لمصر وهي الآن المصدر الأول للطاقة المستدامة والمتجددة والنظيفة. والفلاح المصري هو العنصر الراقى أو الأرستقراطى فى هذا البلد، لأنه «صانع الحياة»، لأنه أصل مصر: “هو أصل العامل، هو أصل المثقف، هو أصل الجندى، وأصل الحياة”.(منقول من كلمات الرئيس الراحل أنور السادات). ومن هنا لم يكن غريبا كل هذا الاهتمام الحالي بتحسين جودة الحياة للفلاح المصري وتخصيص اكبر مشروع قومي في تاريخ مصر الحديث له وهو المشروع القومي لتطوير الريف المصري كمشروع تطوير القرى المصرية ضمن مبادرة حياة كريمة التي أطلقها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي عام ٢٠١٩ لتحسين مستوى الحياة للفئات المجتمعية الأكثر احتياجًا على مستوى الدولة، باستهداف التدخل العاجل لتحسين جودة الحياة لمواطني الريف المصري من خلال تطوير ٤٥٨٤ قرية بتقديم حزمة متكاملة من الخدمات لسكان القرى الذين يمثلون نسبة٥٨٪ من إجمالي السكان بتكلفة700 مليار جنيه.

النصر ومفاهيم وجود الإنسان

النصر من المفاهيم المركزيّة التي ترتبط بوجود الإنسان وحياته، ومع تعقد الظروف وصعوبات المعيشة وضغوطات العصر أضحى نجاة الوطن ونصرته في مقدرة أفراده على الجهاد للحفاظ على النفس الانسانية السليمة الخلوقه المعافاة القادرة على العمل والانتاج وكفاية وخدمة نفسها ووطنها، وهذا اعلى درجات الجهاد ومن هنا الدعوة الحثيثة الي شكر ربنا الخالق على نصره المتجدد لنا في حياتنا اليومية بتنمية أرضنا وبحرنا وسماءنا، التى هي حصننا المنيع وعمقنا الاستراتيجي وقوت يومنا ومصدر الطاقة. 

النصر نعمة إلهيّة محكومة ومشروطة بالمبادرة وبالنهوض بأعباء المسئولية وبشكر الخالق على نعمه بالمحافظة عليها وصيانتها وتنميتها واستغلالها بالشكل الصحيح حتى ينجينا ويلطف بنا من مكر الماكرين وحسد الحاسدين وتدبير الاعداء والحقودين ومصائب الدهر وبلاء السنين، وليتحقق لنا العبور الأكبر بالتنمية والرخاء لأهل مصر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى