قاطرة الكلمة

كيرلس عبد الملاك يكتب :اللاطائفية.. المدخل لمحو الهويات الدينية بدعوى الوحدة وقبول الآخر

كاتب صحافي وباحث في العلوم السياسية

الكثيرون ممن يُدعون مثقفين وأصحاب فكر في الأيام الراهنة يعلنون رفضهم للطائفية، سواء في مقالاتهم أو مقابلاتهم الإعلامية، دون تقديم تعريف واضح لمعنى الطائفية.

هذا الأمر تزامن مع حركة ملحوظة ومتصاعدة، حصلت وتحصل على دعم كبير من جهات معينة، لنشر خطاب ديني وحدوي في مجتمعاتنا الشرقية، يسعى لتوحيد الدين الواحد دون احترام للأسس الفكرية أو المبادئ العقيدية، بدعوى الوحدة الدينية وقبول الآخر. حتى أننا صرنا نرى من يُقصي الحديث عن الانتماءات الطائفية (العقائدية) تمامًا بذريعة الدفاع عن الوحدة وقبول الآخر.

توحيد الأديان الإبراهيمية

وهناك من اتجه إلى توحيد الأديان الإبراهيمية ظنًا أن ذلك سيؤدي إلى قبول الآخر، وهناك من وسَّع دائرة الاتحاد حتى ضم الملحدين واللادينيين، في خلط فادح بين المجال الديني ومجال الانتماء الوطني ومجال التضافر الاجتماعي العام.

أولاً: هناك فرق بين اللاطائفية الاعتقادية أو الدينية، واللاطائفية الاجتماعية والقانونية. فاللاطائفية الاعتقادية أو الدينية تقود إلى محو الهويات الدينية وتشويهها، وتأخذ الأديان إلى حالة من التمييع الفكري والعقيدي كمدخل إلى اللادينية والإلحاد.

أما اللاطائفية الاجتماعية والقانونية فتمنع التمييز بين البشر في الحقوق والواجبات في إطار المجتمع العام. إن اللاطائفية الاعتقادية أو الدينية هي نوع من اللادينية، ومن ينشرها يستهدف محو الأديان والمعتقدات بدعوى الوحدة بين الطوائف، ولذلك هي مرفوضة قلبًا وقالبًا. وللأسف، هناك جهات تسعى لتمرير تلك اللاطائفية في المؤسسات الدينية لفرض أجندات معينة من خلال محو الهويات الدينية.

الفرق بين قبول الآخر وقبول معتقد الآخر

ثانيًا: هناك فرق شاسع بين قبول الآخر وقبول معتقد الآخر، فالاختلاف العقيدي والفكري هو سُنة من سنن الحياة، وهو إرادة إلهية في المقام الأول، حيث خلق الله البشر أحراراً في معتقداتهم وانتماءاتهم حتى يكون كل إنسان مسؤول عن أفكاره وأفعاله، وبالتالي يكون مؤهلاً للحساب الإلهي العادل منفرداً، فمن يسعى إلى أن يوحد العقائد داخل الدين الواحد بلا اعتبارات فكرية وعقيدية، أو من يسعى لتوحيد الأديان تحت مظلة عقائدية واحدة، إما أنه جاهل بطبيعة البشر وتاريخهم أو أنه يعاني من عدم الاتزان النفسي الذي يرتبط بتطرف فكري وسعي للسيطرة على غرار الخلافات الدينية أو الإمبراطوريات التوسعية أو النظم الفاشية. بناءً على ذلك،  من حق المؤسسات الدينية والجماعات الدينية أن تتمسك بأفكارها وتدافع عن عقائدها طالما أنها لا تستخدم الكراهية أو العنف من خلال أفكارها أو سلوكياتها.

المؤسسات الدينية

ثالثًا: من حق المؤسسات الدينية، بل من واجبها، أن تُقصي أو تفصل عنها كل شخص لا يعتنق أفكارها، هذا الحق والواجب يعد من مباديء النظم المؤسسية سواء كانت دينية أو اجتماعية أو سياسية، لأن أي تعدد في الفكر الرئيسي للمؤسسة الواحدة يؤدي إلى البلبلة والانقسام، وإشاعة الفوضى الفكرية والسلوكية، فلكل مؤسسة قوانينها ولوائحها الداخلية التي تضبط الأفكار والسلوكيات داخلها، وهذا بالقطع لا يتعارض مع التعددية المجتمعية أو السياسية أو الدينية في إطار المجتمع العام، لكن لكل مقام مقال، فما يناسب الأسس الإدارية للمؤسسة الواحدة التي من المفترض أن تقوم على أحادية الفكر المؤسسي، لا يتناسب مع الأسس الإدارية للمجتمع العام التي تقوم على تعددية الأفكار والمعتقدات تحت مظلة قانون الدولة الموحد والعادل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى