قاطرة الثقافة

ليو تولستوي.. أمير الرواية الروسية وفيلسوف الإنسانية

ليو تولستوي.. أمير الرواية الروسية وفيلسوف الإنسانية

يصادف اليوم ذكرى ميلاد ليو تولستوي أحد أبرز الروائيين الروس، وأعظمهم، كان مصلحًا اجتماعيًا، وداعية للسلام، ومفكرًا أخلاقيًا، وعضوًا بارزًا في عائلة تولستوي، ومن أهم أعلام الأدب الروسي في القرن التاسع عشر.

يعتبر البعض تولستوي أنه من أعظم الروائيين على مر العصور، من أشهر أعماله روايتا “الحرب والسلام” و”آنا كارنينا”، اللتان تُعدان من روائع الأدب الواقعي، تقدم هاتان الروايتان صورة دقيقة للحياة الروسية في تلك الحقبة التاريخية.

ولد الكونت ليف نيكولايافيتش تولستوي في 9 سبتمبر 1828، في مقاطعة تولا والتي تقع على بعد 130 ميلا جنوب مدينة موسكو، والده هو الكونت نيكولاس تولستوي، وأمه الأميرة ماريا فولكونسكي، وكانت أسرة والدته من سلالة روريك (أول حاكم ورد أسمه في التاريخ الروسي)، وكان من ضمن (دوطة) زواجها إقطاعية ياسنايابوليانا الجميلة، وهي التي ولد بها، وكانت عائلته من العائلات المعروفة من بين النبلاء الروس القدامى، الذين يعود نسب أجدادهم إلى رجل نبيل أسطوري يُدعى إندريس.

عام 1844م، قبل ليو تولستوي طالبا في جامعة كازان- كلية اللغات الشرقية، قسم اللغتين التركيّة والعربيّة، ولقد اختار ليو تولستوي هذا الاختصاص لسببين: الأول لأنّه أراد أن يصبح دبلوماسياً في منطقة الشرق العربي، والثاني، لأنّه مهتم بآداب شعوب الشرق، وعلى الرغم من أن تولستوي كان شغوفا بالقراءة منذ طفولته، إلا أنه لم يستطع التركيز في دراسته عندما أصبح طالبا، ومع ذلك فقد أنغمس تماما في الحياة الاجتماعية بالجامعة، وبعد أن فشل في امتحانات السنة الأولى، قرر أن يغير اتجاهه ويدرس القانون.

كانت البداية في ذلك أكثر تبشيرا بالنجاح، ولكن ما أن حل عام 1847م، حتى كان تولستوي قد قرر ترك الدراسة دون أن يحصل على شهادته الجامعية، وقد جاء ذلك عقب أن جاءته الأنباء بأن تقسيم أملاك الأسرة قد جعلته يرث إقطاعية ياسنايابوليانا، وهي إقطاعية كبيرة فيها أكثر من 330 عائلة فلاحية.

وكان تولستوي رجلا ذا مثل عليا فأحس أن واجبه يحتم عليه العودة إلى إقطاعيته ياسنايا لرعاية أموره هناك ولتحسين أحوال رعيته من الفلاحين، وأعد مذكرات دقيقة عن خططه لتحقيق ذلك، وعن رغبته في الوصول إلى درجة الكمال، عن طريق أداء واجبه وقراءة أكثر ما يمكنه قراءته.

ولسوء الحظ فإن مثاليته النبيلة وشعوره الشاب بالمسؤولية لم تثبتا أنهما الصفتان المناسبتان للتعامل مع الفلاحين، وبعد مرور صيفين توجه إلى مدينة موسكو، وبعد ذلك إلى سان بطرسبورج حيث عقد العزم على نيل درجة جامعية. ومع ذلك فمرة أخرى بدأ تولستوي الاستمتاع بالحياة الاجتماعية أكثر من أهتمامه بتحصيله العلمي، وانغمس في لعب القمار وغرق في الديون، ضاربا بتحذيرات مربيته تاتيانا عرض الحائط.

ويُعد كتاب “الحرب والسلام” 1869م من أشهر أعمال تولستوي، ويتناول هذا الكتاب مراحل الحياة المختلفة، كما يصف الحوادث السياسية والعسكرية التي حدثت في أوروبا في الفترة ما بين 1805 و1820م، وتناول فيها غزو نابليون لروسيا عام 1812م.

ومن أشهر كتبه أيضًا “أنا كارنينا” الذي عالج فيه قضايا اجتماعية وأخلاقية وفلسفية في شكل مأساة غرامية كانت بطلتها هي أنَّا كارنينا، ومن كتب تولستوي أيضًا كتاب “ما الفن؟” وأوضح فيه أن الفن ينبغي أن يُوجِّه الناس أخلاقيًا، وأن يعمل على تحسين أوضاعهم، ولابد أن يكون الفن بسيطًا يخاطب عامة الناس.

وفي أواخر حياته عاد تولستوي لكتابة القصص الخيالية فكتب “موت إيفان إيلييتش” 1886م، كما كتب بعض الأعمال المسرحية مثل “قوة الظلام” 1888م. وأشهر أعماله التي كتبها في أواخر حياته كانت “البعث” وهي قصة كتبها 1899م وتليها في الشهرة قصة “الشيطان” 1889م؛ سوناتا كرويتزر 1891م؛ “الحاج مراد” وقصة “الاب سيرغي” التي نُشرت بعد وفاته والتي توضح عمق معرفته بعلم النفس، ومهارته في الكتابة الأدبية، ومدى حبه ومعرفته بالقفقاس وقد اتصفت كل أعماله بالجدية والعمق وبالطرافة والجمال.

في 20 نوفمبر عام 1910م، توفي تولستوي في قرية استابو “في محطة القطار” حين هرب من بيته وحياة الترف، وأصيب بالالتهاب الرئوي في الطريق، وكان قد بلغ من العمر 82 عاما، ودفن في حديقة ضيعة ياسنايا بوليانا، وكان قد أمضى تولستوي الساعات الأخيرة في الوعظ بالحب واللاعنف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى