محمد عز الدين الحجار يكتب :ADHD

في منتصف العمر، بينما تتراكم المسؤوليات المهنية والعائلية، يبدأ بعض الأشخاص في ملاحظة نمط غريب من الصعوبات والتحديات التي لا تبدو طبيعية، ما كانوا يعتبرونه مجرد “صعوبات في التنظيم” أو “تسويف مزمن” يتبين أنه مرض نفسي يحتاج إلى الرعاية والعلاج: اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD) الذي عاش معهم منذ الطفولة، لكنه لم يُشخّص أبدًا.
مع تقدمنا في السن، تتضاعف المهام، وتصبح استراتيجيات التعويض التي اعتمدنا عليها لسنوات غير كافية؛ الضغوط المتزايدة في العمل، والالتزامات المالية، والعلاقات الاجتماعية، كلها عوامل تجعل أعراض اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه تطفو على السطح بقوة.
هناك العديد من العلامات الخفية التي يجب الانتباه لها عند مريض الـ(ADHD) وأشهرها: التشتت السهل كعدم القدرة على إكمال مكالمة هاتفية أو قراءة تقرير دون تشتت، والشرود الذهني ويظهر جليًا في فقدان خيط الحديث أثناء المحادثات المهمة، وصعوبة إنهاء المهام، مثل البدء في مشروعات مختلفة من دون إكمالها، وقوعًاةفي فخ التسويف المزمن، وقضاء ساعات في مهام ثانوية وإهمال المهم، ناهيك عن التحديات العاطفية والسلوكية، كلاندفاع في الإنفاق أو اتخاذ القرارات أو مقاطعة الآخرين، مع نفاد سريع للصبر، والحساسية المفرطة للنقد، يصاحبهم شعور دائم بالتململ والقلق.
يعاني الكثيرون من “الشعور بعدم تحقيق الإمكانات”، حيث يملكون الذكاء والقدرات، لكنهم لا يستطيعون ترجمتها إلى إنجازات ملموسة؛ قد يواجهون صعوبات في الالتزام بالمواعيد النهائية، وينسون أحداثًا مهمة ويتخلون عن الوعود، وعندما تحين لحظة اكتشاف هذا المرض، يُسلط الضوء على سنوات من الإحباط والفشل، تركت ندوبًا عميقة على تقدير الذات، تضع مريض الـADHD في صراع بين نسيان نقاط قوته والتركيز على صعوباته، إلى أن تولد مساحة آمنة للتعبير عن هذا الألم من دون خوف من النقد أو إبانة الضعف! معها يخف العبء النفسي بشكل ملحوظ، خصوصًا مع مراعاة الداعمون الوقوف على حافة سكين بين تقديم المساحة الكافية للاستقلالية وتقديم الدعم اللازم.
عودًا على بدء؛ عندما يتم تشخيص شخص في سن الأربعين باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، وعلى الرغم من فردية الرحلة أغلب الوقت! فالعائلة والأصدقاء يشكلون حجر الأساس في رحلة التعايش مع هذا الاضطراب، ليس كمجرد متفرجين، بل كشركاء فاعلين في بناء بيئة داعمة تمكن أحبائهم من الازدهار رغم التحديات، كمحاولة تجنب التفسير الخاطئ، حيث كثيرًا ما يُساء تفسير أعراض اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه على أنها كسل أو عدم مسؤولية، ومع المحاولات الجادة المتكررة، ينتقلون من موقع النقد إلى موقع الدعم.
الدعم الفعال من العائلة والأصدقاء لا يتعلق بإصلاح الشخص المصاب باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، بل يتعلق ببناء بيئة تفهّم واحتواء تمكّنه من استخدام نقاط قوته والتعامل مع تحدياته، وفي النهاية؛ أقوى ما يمكن أن يقدمه الأحباء هو رسالة واضحة: “أنت لست اضطرابك، ولن تواجهه وحيدًا”.