ياسمين حسين تكتب : فن الخطابة… إرث العرب وسحر الكلمة

فن التحدث أمام الجمهور، أو ما يُعرف بـ Public Speaking، سُمِّي فنًّا لأنه يجمع بين الموهبة والمهارة. وأجمل ما يمكن أن نصفه به في لغتنا العربية هو “فن الإلقاء والخطابة”؛ إجلالًا وتعظيمًا لمكانته، ولأن العرب هم أوائل من علّمونا فن الخطابة في أشعارهم وخطبهم.
وأذكر منها كلمات شهيرة درسناها في مراحل التعليم: “أيها الناس، اسمعوا واعوا، وإذا وعيتم فانفعوا؛ إنه من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آتٍ آتٍ…”
بدأت الخطبة بأسلوب لافت للانتباه، مهيمن على البدايات، باستخدام النداء المباشر. كلماتها قصيرة، بسيطة، واضحة، تتحدث عن المنفعة — وهي غريزة بشرية — فاستثارت الشغف والفضول لدى المستمع ليصغي حتى النهاية.
خطبة مزينة بكلمات مرتبة، أنتجت جملًا منمقة جمعت بين الحذر والإنذار، وحملت في طياتها التأمل والتفكر والتدبر، أو ما يُعرف اليوم بـ meditation.

في هذه الخطبة دعوة قوية للتأمل والعبرة من وجود البشر على الأرض، وتذكير بمصير أممٍ هلكت رغم قوتها. ولم ينسَ قس بن ساعدة الإيادي أن يذكّر بالموت والفناء، والدعوة إلى اتباع الحق الأحق أن يُتَّبع.
لقد ترك لنا العرب ثروة حقيقية في فن التأثير على الآخرين، ويخطر ببالي الآن “سوق عكاظ” بمعناه الحديث — الصالونات الثقافية التي تُقام في “ساقية الصاوي” أو “دار الأوبرا المصرية”.
كان العرب يملكون أكبر ملتقى ثقافي سنوي للتجارة والفكر والأدب والثقافة، يشارك فيه الشعراء والخطباء والأدباء من مختلف القبائل، بين مكة والطائف، وسُمِّي بعكاظ نسبة إلى المنطقة.
ولا ننسَ أن فرعون كان من أوائل المتحدثين أمام الجمهور حين جمع قومه وخطب فيهم قائلًا: “أنا ربكم الأعلى”؛ مثالًا للطاغية المستبد الذي يرفض الحق رغم علمه به، فادعى الألوهية، فكان عقابه أن شق الله البحر، وخسف به وبجنده.

فإذا كنت تبحث عن سر البراعة في التحدث أمام الجمهور، فلا تقلّد الغرب، بل تذكّر أنك عربيّ الأصل؛ فالقوة والتأثير يجريان مجرى الدم في عروقك. ألم تسمع أن العرب وُصفوا بالسحرة لشدة تأثيرهم في الخطابة؟ بكلمات عربية اشتعلت الحروب، وبكلمات أخرى عمّ السلام.
الشخصية العربية تمتاز بالثقة والثبات، والجرأة والفخر، وبترتيب الأفكار وسرد الجمل، مع حصيلة لغوية ثرية.
حين يختار العربي كلماته، سرعان ما يُصيب الهدف. فهل بعد أن تذكّرت أصلك ما زال لديك شك في قدراتك؟ إذا كان الغرب قد اكتسب هذه المهارات، فنحن من ورثها. وجاء الوقت لنُخرج تراثنا العربي الأصيل إلى النور.
