قاطرة الكلمة

د.وائل كامل يكتب: البكالوريا في مصر: حلم الإصلاح أم فخ التغيير السطحي الهادف للربح والترندات الوزارية؟”

وائل كامل دكتور بكلية التربية الموسيقية جامعة حلوان

لا يعقل ابتكار نظام جديد للثانوية العامة تحت مسمى “بكالوريا” دون معالجة المشاكل الجوهرية التي تعاني منها المنظومة التعليمية في مصر، فالنظام الجديد لن يحقق النجاح المرجو إذا لم يتم حل مجموعة من التحديات الأساسية التي تشكل العقبات الرئيسية في تحسين التعليم ومعالجة القصور في نظم تعليم المراحل السابقة لها و التي تجعل من غير الممكن إطلاق نظام جديد مفاجئ في مرحلة الثانوية التي يسبقها مرحلتين لازال بهم مشكلات متعددة تؤدي لضعف مؤهلات الطالب الملتحق بالثانوي.

1. نقص التمويل والموارد

حتى إذا تم تقديم نظام جديد مثل البكالوريا، فإنه سيحتاج إلى تمويل مناسب لتنفيذه وتطويره. فإذا كانت الميزانية المخصصة للتعليم في مصر ضعيفة جدا، فهذا سيؤدي إلى ضعف تطبيق النظام الجديد. فلا يمكن تحسين التعليم أو تحديث المناهج أو تدريب المعلمين دون استثمار حقيقي في الموارد البشرية والمادية ورصد موازنات كافية كمشروع قومي له الاولوية عن كافة الامور الأخرى.

2. تكدس الفصول الدراسية

ستستمر مشكله التكدس في الفصول عائقًا رئيسيًا امام جوده العملية التعليمية، فقد يتطلب النظام الجديد تعليمًا أكثر تخصصًا ومرونة، وهو ما يصعب تنفيذه في فصول مكتظة بالطلاب، وإذا لم يتم التوسع في إنشاء مدارس حكومية جديدة وتقليل عدد الطلاب في الفصول، ستظل الفرص التعليمية محدودة، وبالتالي تستمر مخرجاتها ضعيفة، ولن يتمكن الطلاب من الحصول على التفاعل الشخصي الدراسي الضروري لتطوير مهاراتهم ومتابعه ملف انجازهم وإرشادهم أكاديميا .

3. استمرار الأساليب التقليدية في التعليم

إذا استمر اعتماد أساليب الحفظ والتلقين والبابل شيت في النظام التعليمي، فإن تطبيق نظام البكالوريا لن يكون فعالًا، فالمفترض اعتماده بشكل أكبر على التفكير النقدي، التحليل، والمشروعات العملية وهو ما يتعارض مع التمسك بانظمة الاختيار من متعدد، وإذا استمرت الأساليب القديمة في التدريس، فإن الطلاب سيجدون صعوبة في التأقلم مع هذا التوجه الجديد، مما يجعل النظام الجديد يواجه فشلًا في تطبيق أهدافه.

4. عدم تدريب المعلمين بشكل كافٍ

 اي نظام تعليمي متطور يتطلب معلمين ذوي كفاءة عالية قادرين على استخدام أساليب تعليمية جديدة مثل المشاريع البحثية، التقييم المستمر لتعليم الطلاب مهارات القرن الواحد والعشرين. وإذا استمر ضعف تدريب المعلمين في مصر وضعف رواتبهم، فلن يكون بإمكانهم التفاعل مع هذا النظام الجديد بشكل فعّال ولن يكونو قادرين على تنمية مهارتهم لانشغالهم بالبحث عن تعويض ضعف رواتبهم بالدروس الخصوصية، وسيكون من غير الممكن للمعلمين أن يواكبوا تطور النظام التعليمي دون دعم مهني ومالي مستمر.

5. قلة التكنولوجيا والتجهيزات

في ظل العصر الرقمي الحالي، يحتاج اي نظام تعليمي حديث إلى تكنولوجيا متقدمة ودعم تعليمي يعتمد على الإنترنت والوسائل الإلكترونية، و إذا لم يتم تحديث البنية التحتية للمدارس وتزويد الطلاب والمعلمين بالموارد التكنولوجية اللازمة، فإن النظام الجديد لن يحقق هدفه في تحسين التعليم.

6. غياب التنوع والمرونة في المناهج

إذا بقيت المناهج الدراسية على حالها، غير مرنة ولا تعكس احتياجات سوق العمل أو تنوع التخصصات بشكل واسع وتم الامتفاء بالغاء مواد ودمج مواد ، فلن تكون هناك فائدة حقيقية من تغيير النظام إلى “بكالوريا”، فالتغيير يتطلب مناهج مرنة تعمل على كافة الجوانب وتتيح للطلاب اختيار تخصصاتهم والتوجهات التي تتناسب مع مهاراتهم واهتماماتهم بشكل به مرونة وبتوسع فلا يعقل ان يتم الغاء مواد بشكل نهائي فالمفترض الاتاحة والتنوع حسب الميول والقدرات، فإذا استمرت المناهج في التقيد بتوجهات تقليدية، فإن التغيير في النظام لن يكون ذا جدوى.

7. الفجوة الطبقية بين المدارس

إذا استمر التعليم في مصر يواجه الفجوة بين المدارس الحكومية والخاصة والدولية بانواعها الكثيره،  فإن نظام البكالوريا قد يزيد هذه الفجوة لان تعدد انواع المدارس واختلاف المناهج والرؤى لا يساعد ابدا على تطور تعليم الشعب، وستزداد الفجوة اتساعا بدلاً من أن يساعد النظام الجديد في تقليصها، و سيكون الطلاب في المدارس الخاصة أكثر استعدادًا لتطبيق النظام الجديد بفضل الموارد الأفضل والمعلمين المدربين بشكل أفضل، في حين أن الطلاب في المدارس الحكومية قد يواجهون صعوبة في التكيف مع النظام بسبب نقص الموارد والتدريب ووضع اولياء امورهم الاقتصادي الذي قد يكون عائق امام فرص تحسين المجموع.

8. الضغط على الطلاب

قد يتطلب اي نظام تعليمي متطور مستوى أعلى من التفكير والتحليل، ولكن إذا استمرت ثقافة الضغط على الطلاب من خلال الامتحانات والدرجات ، فسيبقى التعليم في مصر محصورًا في النجاح عبر الامتحانات فقط، دون أن يتبنى الفهم العميق والتطوير الشامل للطلاب، ويجب إصلاح أساليب التقييم من خلال تخفيض الاعتماد على الامتحانات التقليدية عكس ما تم الاعلان عنه من ظيادة الفرص لانه أمر ضروري لنجاح أي نظام جديد.

9. البيروقراطية

إن النظام التعليمي في مصر يعاني من البيروقراطية في اتخاذ القرارات، و إذا استمر التخطيط المركزي والتغيرات المستمرة المفاجئة، فلن يتمكن النظام الجديد من التكيف مع احتياجات الطلاب والمدارس، و في هذه الحالة، ستكون عملية تطبيق نظام البكالوريا مرهقة وتتطلب وقتًا طويلًا ليتم تنفيذها بفعالة او سيحدث تسرع في التطبيق وبالتالي اخفاق في النتائج.

وبناء على ما سبق فانه يجب أن تبدأ الإصلاحات من الأساس عبر تحسين البيئة التعليمية والتوسع في انشاء مدارس حكومية جديدة ورصد موازنات لائقة، و تدريب المعلمين وتحسين رواتبهم ووضع نظام رقابي صارم يجرم الدروس الخصوصية ، ثم تأتي مرحلة تحديث المناهج بدءا من اسفل لأعلى بشكل هرمي لانه استحالة يكون لدينا تعليم متقدم ومتطور بدون مدرس ماهر ومدارس متطورة وموازنات كافية وتخطيط علمي مدروس بعناية بدءا من طفل الحضانه وانتهاء بالحاصلين على شهادة الدكتوراة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى