قاطرة الكلمة

د.وائل كامل يكتب :”التعليم في مصر: الحاجة إلى خطة شاملة ونهج مبتكر لتحقيق نهضة حقيقية وليست وهمية”

وائل كامل دكتور بكلية التربية الموسيقية جامعة حلوان

ليس من الضروري لتحقيق هدف التعليم الراقي وجودة مخرجاته المرتبطة بالمجتمع أن نلقي اللوم على ضعف الإمكانيات المادية أو الحاجة لمليارات الدولارات أو دخول القطاع الخاص والتوسع في مؤسساته، أو حتى التنصل من مسؤولية الدولة في تحسين التعليم، بإلقاء العبء على التعليم الخاص الهادف للربح.

الفكرة ليست في توفير تريليونات من الأموال أو جلب موارد ضخمة، وحساب كل خطوة بـ”كم سنربح وكم سنوفر”، ولا في توسيع نطاق التعليم الخاص ليصبح هو الحل الوحيد. الفكرة في جودة المنتج وملائمته لاحتياجات المجتمع فقط لا غير.

الأهم هو وجود خطة تعليمية واضحة تعتمد على فكر الشباب، لا على أفكار عفا عليها الزمن نشأت على الكتاب الأوحد والمنهج العقيم ونظم تعليمية تم استيرادها حرفيًا من توجهات البنك الدولي واليونسكو والخبراء الأجانب.
ليس من الضروري أن تصبح جميع مدارسنا الحكومية وجامعاتنا مثل مدارس الشويفات أو الجامعات البريطانية أو اليابانية أو الألمانية أو الأمريكية من حيث الإمكانيات والتجهيزات والموارد.

خطة تعليمية بعيدة المدى

ما نحتاجه هو خطة تعليمية بعيدة المدى، برؤية واضحة ومتكاملة، يتم تنفيذها بشكل هرمي يبدأ من مرحلة ما قبل الحضانة، ويشمل إعداد أولياء الأمور وتثقيفهم حول كيفية تربية أبنائهم بشكل نفسي سليم وإيجابي من قبل الولادة ومرحلة ما قبل الحضانه حتى لو تم تكليف علماء علم النفس بعقد ندوات الزامية مع كتيب التطعيمات تشرح نظم التربية السليمة وطرق التعامل مع المراحل العمرية المختلفة، مع الحفاظ على الهوية الوطنية والعادات والتقاليد. ومعها يجب تطوير المناهج التعليمية لمرحلة تعلين ما قبل الجامعي، ووضع شرط وجود ملف إنجاز لكل طالب لتوجيهه وفقًا لمواهبه وقدراته. و تحديث المناهج، وجعلها متغيره حسب ملفات الانجاز ومستوى التقدم الذي يحرزه الطالب في تخصص ما لتنميته بشكل مستمر، ويستمر التطوير حتى مرحلة الدراسات العليا مع تعديلات في القوانين واللوائح لتواكب متغيرات العصر.

نحن لا نحتاج إلى أدوات باهظة الثمن مثل السبورات الذكية، التابلت، المقاعد الفاخرة، الفصول الواسعة، التكييفات، الحدائق، والمرافق الراقية. ما نحتاجه هو طباشير، مقاعد خشبية، فصول بسيطة، لكن مع معلمين مهرة ومنهج متطور يتم تحديثه باستمرار.

ليس من الضروري توفير أجهزة كمبيوتر من آخر جيل باهظة الثمن أو معامل مجهزة بأحدث المواصفات ، بل نحتاج إلى أجهزة كمبيوتر متوسطة أو حتى منخفضة التكلفة، تؤدي الغرض مع مناهج إلكترونية حديثة، والاهتمام بالبرمجة والبرمجيات وربطها بالمناهج الدراسية.

المجتمع لا يحتاج إلى منصات تعليمية معقدة أو برامج تعليمية على الفضائيات، بل يحتاج إلى معلم مؤهل قادر على تطوير نفسه باستمرار بعد تخرجه يتم توفير دخل مادي يحق له عيشه كريمة حتى لا يبحث عن الدروس الخصوصية والسلبيات الاخرى ، مع برامج تعليمية موجهة لتطوير مهارات المدرسين والطلاب وتنمية قدراتهم.
كما يجب أن تتحول العملية التعليمية من التلقين إلى البحث والاستكشاف، للاعتماد على النفس وتنمية القدرات فالاجيال تغيرت وطريقة الحصول على المعلومات اختلفت فبضغه زر يتم الحصول على المعلومة عكس من ربع قرن كام المصدر الوحيد للمعلومة هو المدرس والكتاب.

ليس من الضروري أن يكون لدينا 50 ألف جامعة، سواء كانت خاصة أو أهلية أو تكنولوجية أو معاهد خاصة متخصصة. بل نحتاج إلى مدارس فنية وتكنولوجية على مستوى عالٍ في كل محافظة، ترتبط بالمصانع والشركات والمؤسسات لتوفير التدريب العملي والاهتمام بالصناعات الصغيرة ، وتخريج فنيين وأيدٍ عاملة ماهرة. هذه المدارس ستساهم في تقليل الضغط على الثانوية العامة والجامعات، وتخريج مهنيين وفنيين أكفاء، وستحقق دخل للدولة من منتاجاتهم بدلاً من أن يكون لدينا جيش من خريجي الجامعات على القهاوي وعدد قليل من الفنيين المهرة.

نحتاج إلى دراسة متطلباتنا المستقبلية واحتياجات سوق العمل لتحديد التخصصات المطلوبة، بحيث لا يقتصر الأمر على تكديس شهادات بكالوريوس أو ليسانس تكون مهمتها تزيين الجدران، بل نعمل على تلبية احتياجات الدولة الفعلية.

تعليم الأطفال في التسعينيات بالدول المتقدمة ومصر

قبل أكثر من ربع قرن، وفي التسعينيات، كان الأطفال في الدول المتقدمة يتعلمون كيفية استخدام الأجهزة الحاسوبية وتطبيقاتها في المجالات المختلفة، بجانب المواد التقليدية. كان هناك اهتمام كبير بالأنشطة والمهارات والفنون، وتنمية القدرات المختلفة.
اليوم، يتعلم الأطفال كيفية برمجة الأجهزة الحاسوبية وبناء الروبوتات، مما يدمج التخصصات العلمية والفنية. وفي المستقبل (إن لم يكن قد تحقق بالفعل)، سيتعلم الأطفال من خلال الهولوجرام، وكيفية تطوير الذكاء الاصطناعي.

أما في مصر، وقبل ربع قرن، كان الأطفال يتعلمون أساسيات الجمع والطرح وقواعد اللغات. اليوم، يتعلم الأطفال نفس المواد، لكن باستخدام التابلت، البوكليت، والسبورات الذكية، لكن مع أدوات ومواصفات تفتقر للجودة الحقيقية، مما يعزز وهم التقدم.
إذا استمررنا على هذا النهج، من المحتمل أن يتعلم الأطفال في المستقبل نفس المواد عبر برامج إلكترونية ومنصات تفاعلية، مع استمرار ضعف المناهج والمستوى التعليمي.

يرى البعض أن المشكلة تكمن في نظم الامتحانات! هل هي ورقية أم إلكترونية؟ هل نستخدم التابلت أم السبورة؟ هل نحتاج إلى كتب تفاعلية أو بنك المعرفة؟ وهذه الأسئلة تشبه البعض الذي يتسائل : هل ندخل المسجد بالقدم اليمنى أم اليسرى؟ وفي الوقت نفسه، نتغافل عن الواجبات الاساسية والمسؤوليات الحقيقية!

من المهم أن نفهم أهمية العلوم الإنسانية والفنون والرياضة والتربية الوطنية والدينية في بناء الإنسان المتكامل.
التعليم ليس محصورًا في الرياضيات والعلوم واللغات، بل هو عملية شاملة تهدف إلى إعداد الإنسان بشكل متكامل، مع الاهتمام بترسيخ القيم والعادات المصرية الأصيلة، حتى لا تندثر كما يحدث في بعض الأحيان بسبب التوسع غير المدروس في التعليم الأجنبي.

يجب أن نحدد وجهتنا

قبل كل شيء، يجب أن نحدد وجهتنا: هل نسير على نهج الدول التي انهارت ثم نهضت وحققت طفرات كبيرة في وقت قصير مثل اليابان، التي أقامت فصولها في العراء بعد كارثة هيروشيما؟ أم نتبع نموذج فنلندا التي حولت اقتصادها من اقتصاد زراعي إلى الاقتصاد المعرفيخلال اقل من خمسة عشر عاما .
هل نتابع خطى ماليزيا وسنغافورة والهند ممن ابدعو في صناعة البرمجيات والهاردويير؟ أم أن علينا الاستمرار في تقليد الدول الكبرى التي تفرض علينا تصوراتها التعليمية من ماما امريكا وبابا البنك الدولي وتيتن اليونسكو وخالتي فرنسا.

ما نحتاجه هو الإيمان بأن التعليم هو أداة حقيقية للتقدم، ومن أولويات أي حكومة، لتحقيق نهضة وتطور للبلاد، وليس مجرد وسيلة للحصول على شهادة. نحن بحاجة إلى خطة تعليمية تتناسب مع احتياجاتنا ومتطلباتنا الفعلية، بعيدًا عن التصورات الجاهزة التي لا تناسب واقعنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى