وائل كامل يكتب : التعليم الأجنبي في مصر بين التوسع والتحديات الوطنية
وائل كامل دكتور بكلية التربية الموسيقية جامعة حلوان
يشهد التعليم الأجنبي في مصر توسعًا ملحوظًا يرتبط ارتباطًا وثيقًا بزيادة الشركات الأجنبية التي تقتصر توظيفاتها على خريجي هذا النوع من التعليم، ما يضمن لهم مرتبات مرتفعة.
ويبدو أن هذا التوسع مدعوم من خلال الترويج المستمر لهذا النوع من التعليم، إذ أصبح يُنظر إليه كمفتاح للحصول على فرص عمل جيدة، حتى وإن كانت الوظيفة لا تتطلب مهارات متخصصة بل تقتصر على مهام مثل خدمة العملاء أو المبيعات او السكرتارية. وفي بعض الحالات، يتم منح المتميزين فرصًا للدراسات في الخارج للاستفادة بعقولهم وتوظيفها ولكن في دول أخرى، ما يفتح المجال أمام هجرة العقول.
التعليم الحكومي
وفي ظل غياب جهود الدولة لتطوير التعليم الحكومي، وتدهور مستوى التعليم المصري، ظهرت دعوات من بعض الخبراء الدوليين لخصخصة التعليم وتبني الأنظمة التعليمية الأجنبية بشكل حرفي سواء إنشاء مؤسسات تعليمية جديدة تحت اسم المؤسسة الأجنبية الأم، او كشهادات مشتركة او بدخولهم كمستثمرين وخبراء بنسبه في الإدارة باعتبارها الحل الأمثل للأزمة التي يعاني منها التعليم في مصر. وتدعم هذه الدعوات تقارير وتصنيفات عالمية خادعة تشير إلى تدهور النظام التعليمي المصري.
وبينما تمكنت بعض الدول العربية التي كانت في السابق تتلقى تعليمها على يد المعلمين المصريين من تحسين تصنيفها ببعض التصنيفات الدولية للجامعات ، بفضل استعانتها بالخبراء الأجانب كاسأتذة او مدراء ونسب ابحاثهم للجامعة العربية المنتدب لها ، الأمر الذي يثير تساؤلات حول مدى توافق هذه المعايير مع الواقع المحلي.
غالبًا ما يتم استخدام معايير بتلك التصنيفات تتناسب مع الدول المتقدمة وتُفرض على دول مثل مصر، ما يساهم في نشر نظم إدارية وتعديلات بالقوانين قد لا تتناسب مع طبيعة المجتمعات المحلية.
التوجه بزيادة التعليم الاجنبي يؤدي إلى تعزيز التبعية الفكرية والثقافية، وبالتالي التأثير على الهوية والانتماء الوطني.
المناهج التعليمية الأجنبية
ففي المناهج التعليمية الأجنبية بمدارس تعليم ما قبل الجامعي ، يُظهر الأطفال الحياة في أمريكا، على سبيل المثال، بشكل مثالي: مدن نظيفة، ومعاملات راقية، بينما يواجه الطفل في الواقع المصري مشاهد الفوضى والعشوائية، مما يعزز لديه مشاعر الاغتراب والرغبة في الهجرة.
هذه المناهج قد تؤدي إلى بناء صورة مغلوطة في ذهن الطالب، حيث يتم تزيين المجتمعات الأجنبية بشكل مبالغ فيه وتجاهل إيجابيات المجتمع المحلي، وهو ما يخلق فجوة في الهوية والانتماء.
الجامعات الأجنبية
هذا الأمر يتجلى أيضًا في الجامعات الأجنبية التي تروج لثقافة مجتمع مختلف تمامًا عن الواقع المصري لتنتشر احتفالات الهالوين والجمعة السودا ….الخ
ومع مرور الوقت، يزداد تأثير هذا النوع من التعليم على الطلاب، ويصبح الأستاذ الأجنبي ونموذجه الاجتماعي هو المثال الأعلى، مما يؤدي إلى تراجع الانتماء الوطني وتدمير العادات والتقاليد المصرية الأصيلة.
هناك أيضًا فئة من المجتمع تعتبر التعليم الأجنبي علامة على الوجاهة الاجتماعية، وتحرص على تربية أبنائها في بيئات تعليمية بعيدة عن “عامة الشعب” مثلما يقولون .
وقد سمعت من أحد الافراد الذين يطالبون بإلغاء مجانية التعليم، أنه لا يريد أن يتعلم أبناؤه في وسط الطلبة الفقراء لأن مستوياتهم الاجتماعية تختلف عن مستوى ابنائه.
وتناسى ان اندماج الطبقات المختلفة على مقعد واحد بالمؤسسات التعليمية له مزايا لا تعد ولا تحصى واهمهم انه يساعد على تقوية الالتحام الداخلي للشعب كنسيج واحد لا يستطيع اي مؤثر خارجي ان يخترقه او يحتل ارضه او يفكر في الاعتداء على موارده.
وفي ظل هذه المعطيات، يبقى السؤال الأهم: هل سنستمر في التوسع بالتعليم الأجنبي ونترك التعليم الحكومي يواجه الانهيار، أم أنه من الضروري بناء قاعدة تعليمية حكومية قوية ومتينة قبل التوسع في التعليم الأجنبي؟