هل تعود أرواح المصريين القدماء إلى أجسادهم مرة أخرى؟
هل تعود أرواح المصريين القدماء إلى أجسادهم مرة أخرى؟
ماذا إذا عادت أرواح المصريين القدماء إلى أجسادهم مرة أخرى؟ هناك حيث ترقد الأهرامات في صحراء مصر شاهدة على عظمة حضارة عمرها آلاف السنين وُجدت أسرار مثيرة حول طقوس الدفن عند القدماء، هذه الطقوس ليست مجرد ممارسات دينية بل هي نافذة فريدة تطل على عالم غامض، مليء بالإيمان العميق بالحياة بعد الموت والرغبة في الخلود.
اهتم المصريون القدماء ووجهوا عناية خاصة بموتاهم فاقت غيرهم من شعوب العالم القديم، لإيمانهم الشديد في وجود حياة أخرى بعد الموت، حياة أبدية يجب الاستعداد لها، ولكن العودة تكون من خلال نفس الجسد الذي خرجت منه الروح، ولذلك كان يحرص أهل الميت على حمله إلى المحنطين وذلك لسرعة حفظ وتحنيط الجسد بما يضمن له إمكانية عودة الروح لجسده مرة ثانية، وكان التحنيط يتم وفقًا لإحدى طرق ثلاث تتوافق مع إمكانية المتوفى ومكانته، وهم: الغسل والتطهير، التحنيط، الجنازة.
المصريين القدماء
الغسل والتطهير
تحظى عملية غسل وتطهير جسد المتوفى عند المصريين القدماء على درجة كبيرة من الأهمية في الثقافة المصرية القديمة، إذ تعد خطوة أساسية في تحضير الراحل لرحلته الأبدية ومقامه في العالم الآخر بصحبة الآلهة، الملوك أو كبار رجال الدولة، لذا، كان إعداد المدفن أو المقبرة وتجهيزها بالأثاث الجنائزي وكل ما يحتاجه المتوفى خلال هذه الرحلة من أهم الشؤون التي أولاها المصريون القدماء عناية فائقة، خاصة للملوك وكبار رجال الدولة.
كان أعضاء البلاط الملكى وكبار الكهنة يتولون مهمة غسل جثمان الملك، وتحنيطه، ثم لفه بما يناسبه من التمائم والأكفان، ولكل منها رمزية خاصة، وقد طُبقت إجراءات مماثلة على كبار رجال الدولة والأفراد العاديين، كل حسب مكانته وإمكاناته.
التحنيط
تتضمن عملية الدفن عند المصريين القدماء مراحل عديدة، تسبقها وتليها، وتتخللها الكثير من الطقوس والمراسم الجنائزية، كان الهدف الأساسي من هذه الممارسات هو خدمة المتوفى – سواء كان ملكًا أم فردًا عاديًا – في رحلته الأخروية الخالدة، وفقًا للمعتقدات المصرية القديمة، كان أداء هذه المراسم والطقوس ضروريًا لتحقيق آمال المتوفى في النعيم والحياة الأبدية.
وتعد عملية التحنيط وطقس فتح الفم من أهم الطقوس وأولها، تليها شعائر الجنازة منذ خروجها من المنزل حتى وصولها إلى المقبرة، بعد دفن المتوفى، تُقام طقوس ومراسم أخرى يؤديها الكهنة الجنائزيون وأهل المتوفى، وذلك لضمان مصير المتوفى في النعيم الأبدي وتأمين وصول القرابين إليه بانتظام، مما يكفل له حياة هانئة في العالم الآخر.
الدفن
في عصور ما قبل التاريخ، حرص المصريون القدماء على دفن موتاهم في وضع القرفصاء، محاكاة لوضع الجنين في رحم أمه، كان اعتقادهم أن هذا الوضع، الذي يشبه بداية الحياة، سيمكن المتوفى من البعث مجددًا في العالم الآخر.
يُعد التحنيط من أبرز سمات الحضارة المصرية القديمة، ويعكس براعة فائقة في مجالات الطب والتشريح والكيمياء وغيرهاـ يشير مصطلح “تحنيط” إلى معالجة الجسد بمواد عطرية وغير عطرية بهدف الحفاظ عليه في حالة جيدة.
يُرجح أن البداية الأولى لمعالجة الجسد كانت ما يُعرف بـ “التصبير”، والذي يقابله في اللغة الإنجليزية مصطلح (Embalming)، أما التحنيط بمفهومه الشامل، فيُعرف في الإنجليزية بـ (Mummification)، نتيجة لذلك، أصبح الجسد المعالج يُعرف بـ (Mummy)، والتي تحولت في اللغة العربية إلى “مومياء”.
كان الاعتقاد السائد أن تسمية الجسد المحنط بـ “مومياء” مشتقة من الكلمة الفارسية “موميا Mummia”، والتي تعني القار (البيتومين)، نشأ هذا الاعتقاد عندما لاحظ من أطلقوا هذه التسمية سواد لون بعض المومياوات، ظانين أن القار كان من المواد الرئيسية المستخدمة في التحنيط. غير أن الفحوصات والتحاليل اللاحقة أثبتت عدم استخدام القار في تحنيط المومياوات المصرية.
الجنازة
بعد إتمام مراسم التحنيط، يُنقل المتوفى في موكب جنائزي يحضره الأهل والأقارب، تتفاوت عظمة هذا الموكب وهيبته وفقًا لمكانة المتوفى الاجتماعية خلال حياته، يُعرف هذا الموكب باسم “موكب الجنازة”، حيث يرافق المتوفى أثاثه الجنائزي وكافة المستلزمات اللازمة للمقبرة.
يصعب تحديد الفترة الزمنية الفاصلة بين انتهاء عملية التحنيط وإقامة الجنازة، إذ كان من المفترض أن يقوم المتوفى برحلة لزيارة الأماكن المقدسة، من أهم هذه الأماكن “أبيدوس” في صعيد مصر، حيث دُفن رأس المعبود “أوزير”، و”بوزيريس” (أبو صير) في الدلتا، موضع دفن عموده الفقري، كان الهدف من هذه الرحلة هو نيل رعاية ودعم “أوزير”، رب الموتى والعالم الآخر، وتحقيق المصير الأوزيري للمتوفى، مما يضمن له الإحياء والبعث مجددًا.
غالبًا ما تتضمن هذه الرحلة المشاركة في احتفالات “أوزير” المقامة في “أبيدوس”، كان الملوك يقومون بهذه الرحلة في موكب مهيب، ويشارك فيها أيضًا كبار الشخصيات، بينما قد يكتفي عامة الناس من ذوي الدخل المحدود بزيارة رمزية.