محمد أبو زيد التجاني يكتب: محاكاة الطبيعة.. العين الثالثة للجمال

“كنت أميل مؤخرًا للرأي القائل بأن الفن هو محاكاه للطبيعة” نعم الطبيعة المحيطة تُعد إحدى مصادر الإلهام وعين لكل مبدع مهما كان مجال إبداعه في الأدب، أو الهندسة والعمارة، والإبداع ذاته هو عين ثانية ملهمة للمبدع لكن ليدرك الفنان تلك الصور المتعددة للإلهام سواء بعين الطبيعة أو بعين عمل إبداعي يثير دهشته.. هناك ما يتوقف عليه إدارك هذه الصور غير ذلك تظل قيد الإلهام.

اختلفت فيما بعد مع القول بان الفن هو محاكاه للطبيعة اختلافا نابع من ملاحظة كانت فرضتها تجربة ما مجرد ملاحظة، ان هذه الطبيعة ستظل قيد الإلهام، ومتوقفة على إدراك الإنسان ذاته ما لم تكمن بداخله القدرة على الرؤية بعين البصيرة ” النور الداخلي ” ذلك النور الذي يضئ له ما وراء الأشياء وتفاصيلها، إن الطبيعة صامتة تمامًا في ظاهرها، فهي حكيمة وعزيزة جدًا، داخلها كلمات مشفرة لا يقدر على حل لغتها إلا من أدرك إشارتها إليه وشق الطريق، وازاح الغمام لتتضح الرؤية وتصفو.

محاولات الإنسان للإرتقاء

إن محاولات الإنسان للإرتقاء بالباطن نحو السمو والعلو بمجاهدة النفس والتأمل في أعماقها ومعرفتها، يجعله قادر على شق الطريق أمام بصيرته، حينها يصبح قادرا على الأستجابة لتلك الإشارات، وإن تحقق، اهدته الطبيعة اسرارها، وتحدثت إليه بما تًبطن من جمال و كلما كانت نظرة المتلقي تتحلى بقدر من الصفاء الداخلي كان نور بصيرته نافذ بقوة الى هدفه و أقترب لعمقه اكثر وازيح الستار بهدوء تام عما خُفي عنه، وإن ازيح الستار، انعكست إليه نقطة ضوء و طاقة جبارة  برغبة ملحة للبحث اكثر في كل ركن يحيطه لتشبع نفسه اكثر فأكثر ويظل السؤال داخله، اين المزيد ؟

ربما تتجلى أنوار الجمال هذه من باطن أغنية فريدة ذات لحن بديع، أو شجون كلمات تحمل تجربة عظيمة، أو جبال صلبة نحتها الدهر، أو شجرة عتيقة منحت حنان الظل للعابرين، فتجتمع تلك الرؤى جميعها وتنصهر داخل المبدع، ومن هنا وبكل تلقائية يصير كل ذلك نور تزيد به بصيرته وتتسع نقطة النور، فيصفو بها ويرتقي ويدرك مزيد من الجمال بتفاصيل ادق ورؤى اكثر تعددا ومعاني أعمق أثرا .

فما إن شرع في عمل فني ما يترجم به كل ما سبق من خلال عين بصيرته إلى لغة اكثر بساطة ذات رؤية متتعددة واشمل لمعاني مترابطة، تحاكي أذواق عديدة بتعدد ما أدرك من الجمال، وفي ذلك اتفق مع رأي افلوطين ” إن الإبداع هو محاكاه للباطن المطلق داخل نفس الإنسان “