“مكتبة البوهي” أيامي معها بالتحديد عام 1997 كنت بالصف الأول الأبتدائي بالأحرى، توقيت الأجازة الصيفية كنا نرى بعض العروض تقدم بحديقة المكتبة ونقف بعيدا نشاهد بدهشة فكان موقعها في وسط الحي دعتنا تلك الفتاة للدخول لقسم الأطفال أتذكر أول كتاب كان من دواوين صلاح جاهين، في البدء كنت أمل لكن بعض العروض التي تجعلنا مشرفة المكتبة ننخرط فيها بحب أنا مدين لها ولكل ما قدمته لنا بحب، جعلت بيننا وبين المكتبة حنين واشتياق من بين إجازة وأخرى .. انقطعت فترة
ومع بدء مرحلة الإعدادية، والذي أعادني أن مدرستي الجديدة بجوار المكتبة، فعُدت إليها مرة أخرى، انهي يومي الدراسي وأذهب فقط لأشاهد العروض المسرحية بحديقتها الصغيرة، الطريف فأيامي تلك أنها جمعتني مع أصدقاء مدرستي الإبتدائية والإعدادية معًا، كان لها الأثر الأكبر في حياتنا فأصبح منا الطبيب، والمهندس والكاتب، والصحفي كانت هناك درجة من الوعي والإبداع والجمال لا مرثية سكنت الوجدان خلقت معنى دافئ لها واقع في نفوسنا مازال له بُعد في شخصيتنا و هواياتنا، أتذكر أننا قمنا بتقديم مشروع لمكتبة المدرسة، وهي مجلة مدرسية اسمها ” الرأي” وبالطبع لم يستمر أسابيع.
وبالتوازي مع تلك الفترة كان هناك مهرجان القرأءة للجميع، وفاعليات إحداها ضريح سعد باشا زغلول ، وأخرى بحديقة الأورمان، وشارع المعز، هذه الرحلات لها تأثير على مستوى آخر، فأحببت الزهور وتعلقت بها والأن من أهم هوياتي الزراعة، وشارع المعز الذي أصبح ملاذي .
ثم بعد بدأت مرحلة الثانوية وتوقفت تمامًا، وبدأت فترة المراهقة وانخرط في مجرياتها، وموجة تدين مغلوط استمرت حتى دخولي ” الجيش ” وبعد نصيحة قائدي ان انوع قراءتي مع العلوم الشرعية حتى اتحرر اكثر، ربما هذا افضل، ومتابعة أحد الأدباء والمفكرين البارزين واعطاني روايته الشهيرة، وقال أنه يحاضر بمكان إسمه “ساقية الصاوي” وبالفعل، ذهبت إليها مجددا أقصد المكتبة، وفي نفس المكان، والكرسي والمجلدات يعاودني الحنين، وبالطبع سألت عن الساقية، واتسعت الدائرة، معرض للفنون أكبر، ندوات عامة أشمل، حفلات فنية، والأديب المطلوب سماعه هناك، لكن مازال داخلي نقيضان، الأول الحنين وما تربيت عليه، والآخر تدين دخيل متخبط جعلنى أرى الأشياء ببعض من النفور، حتى هذا المُفكر، اخذتني أقدامي للحنين أكثر فغلبت التدين العبثي الدخيل عليها، حضرت ندوات في موضوعات عديدة، بصالون الهجَّان للموسيقى، سمعت تلك المعزوفة التي كان يعزفها اخي رحمه الله “بالهارمونيكا” الحنين يطاردني هنا أيضا، معرض الفنون إذا به الماء الذى اروى ظمأ داخلي، وهدأ الصراع بين النقيضين الحنين لما رباني عليه اخي وذكريات مكتبة البوهي
وبدأت رحلة جديدة، وبعد مرور سنوات احببت الذهاب إلى تلك المكتبة إذ بها خَربة فقد أعلن الحي، هدمها من أجل مشروع مترو الانفاق بإمبابة، خسارة هذا المكان سيفتقده اجيال أخرى بمنطقتنا تلك، هُدمت المكتبة وهدمت ذكرياتي معها وهدمت أشياء أخرى رأيتها في عيون الأجيال الحالية، وسلوكهم اعلم ليس افتقادنا المكتبة العامل الرئيسي، لكن ترى لو استمر وجودها أو على الأقل استبدل مكانها كم ستربي وكم ستُصلح من الأمر، اتمنى ان تعود فوجود مكان كهذا بحى بسيط وفي كل حي سيكون له الأثر كبير، بل وكل مدرسة إذا ما اخذت منوال هذه الأنشطة من مسرح وموسيقى وتثقيف عام، سيُحيي اشياء كثيرة هُدمت مع مكتبة البوهي..
وبالأخير كانت لي أمنية تحلح دايما ما لو فعلت وزارة التربية والتعليم منهج ودراسة الفنون لا كملحق أو درس بالتاريخ بل مادة مستقلة بذاتها ماذا لو كانت تلك الأنشطة جميعها سالفة الذكر تقام بشكل دوري بالعام الدراسي عودة الرحلات المنتظمة، رعاية المواهب بجدية واهتمام من سائر الفنون، ليته بعود مهرجان القراءة على مستوى العام الدراسي، المسرح المدرسي بما به فتون الادب من الشعر والقصة والرواية والموسيقى والتمثيل، جوائز وفاعليات ترى كم الاثر الذي يتركه كل هذا بالنفوس والوجدان من رقة في الشعور واعتلاء بالوعي الذاتي وتعزيز الثقة .. المجلة المدرسية التثقيف ليس بأمر هامشي أو ترفيه يجب أن يكون ملزم مثل أي مادة أساسية بالتعليم منذ مراحل التعليم الأساسية حتى الجامعة جزء أصيل يخلق وجدان وضمير ورقي ليتها تفعل .