ظاهرة طلت علينا في الآونة الأخيرة ممن يتصدر الخطاب النسوي، إحداهن كانت تثور في صخب حول قضية حرية المرأة في جسدها، وأخرى تـندد بالأنقلاب الفوري على الرجل القانط على تلك النعمة الجليلة بين يديه، وكل هذا لا بأس به، فكل إنسان من حقه الكلام، وطرح رؤيته، وعلى الجانب الآخر من لا يعجبه هذا الصخب إما لأنه مُخالف لما تربينا عليه، أو حتى مخالفة لوجهة إعتقاده من منظور تدين لا دين، ومن حين لآخر يشتد الجدال في هذا .
وأخرى مذيعة مشهورة، كل حين وآخر تندد بأن النساء مقهورات في هذا المجتمع الذي فقد كل قيم العدل والانصاف لهنَّ وأتفق إجمالاً بالمطروح مع إختلاف بسيط لبعض تفاصيله ، فالأولى ليس لي أن اعلق عليها ولها كامل الأحترام في حرية التعبير كما تريد، ليس مٍنحة من أحد ولكن مايفرضه الحق، والأخيرة ربما هناك مادفعها لذلك مما عُرض عليها من تجارب حقيقية، والأجدر بنا الا نخوض فيما بَطُن بالنفوس، وما لنا سوى ما ظهر منها .
كل ما ذكرته أعلاه ما هو إلا عرض لشكل من أشكال النضال النسوي كما يُطلقون هم أنفسهم عليه وكل إنسان من حقه أن يُعلن النضال من أجل قضية يؤمن بها ويصنفها كما يشاء حتى لو قضية ناضل من أجل ” أكلة محشي ورق عنب ” فهي حقًا تحتاج لنضال، ولنترك المزح ودعونا نفكر سويًا هل هذه هي كل القضية برمتها وعلة الأمر؟ أما هو تحصيل حاصل؟
مسألة ” العنف” مثلاً:- لأنها فقط إمرأة ضعيفة وإن أستردت قوتها أو حتى إستقلاليتها سينتهى الأمر؟ هل “التحرش” قائم على مبدأ ذكورية بحت، ويقتضي الحل بسن قوانين “مسكن” ليس إلا،
هل عندما يعلم الرجل بملكية المرأة لجسدها وأنَّ مفهوم الشرف ليس في غشاء البكارة، يقتنع بذلك سيجعل منه رجل ” اوبن مايند” وتصبح الحياة لطيفة وجميلة!
أحيانا أرى أن الأمر على خلاف ذلك تمامًا، الرجل في الشرق هنا يستمد نظرته للأمور في حياته من عدة زوايا تشكل عدسة مُحددة، يرى من خلالها الأمور، في الماضي كان الأمر على خلاف المنوال الحالي، برغم أن الصعيد وأعرافه وتقاليده العجيبة، لكن كانت المرأة قوية، تدير منزل كامل بعائلته، والكثير لهم بقايا حكايات نسمعها الان وكأنها من الأساطير، ومنهم من يُسافر زوجها ويعود يجد نفسه يمتلك ارض ومنزل وذلك مما تدبرته هذه المرأة، وفي القاهرة لم يكن الأمر مختلف لنظرة الرجل لها فكانت تتمتع بحرية مقارنة بأيامنا المؤسف عليها و فرق شاسع، نتقدم قليلا سنجد أمر ما قد حدث الا وهو ظهور تلك الجماعات المتطرفة في أوائل السبعينات، بدأت تتغير بعض المفاهيم، لكن الجانب الأكبر تأثيرًا هو تدني الأخلاق والقيم، وأعتقد هي العامل المباشر في وقتنا الحالي، ليست في قضية المرأة والتعامل معها فحسب، بل في شتى أمور الحياة.
لذا أعتقد أن المرأة في هذا شأنها كسائر القضايا، تعاني لاشك، لكن الأمر تحصيل حاصل، لإندثار القيم الأخلاقية وبعض تشويهات وتأويلات، لآراء تدين لا دين، لذا فإن الخطاب الموجه للرجل أنه متعمد اقصاءها، أو الطريقة نفسها في عرض المشكلة لن يكون له العائد المرجو منه كما تتخيل النسوية، وكما يطلق بعضهم هي “معركة” واي معركة ذلك! الأمر أشبه بتطرف اليمين الدينى الذي يرى أن هناك مؤامرة ويجب محاربتها، الإثنان يقعان في التطرف، وإن كان علينا بالفعل توجيه خطاب لحل المشكلة مع ذلك العقل الشرقي ” العنيد”، ليس ذلك السلوك الذي غالبا يكون مستفز له، ويمثل تحدي لعُرفه وبالتالي فالنتيجة ستكون عِند، وكما يقال “العند يورث الكفر”. وللأسف نتيجة هذا الخطاب أن المرأة البسيطة احيانا تسمع له، ولكن ثمة من فجوة في طريقة التطبيق أو فقد عناصر القوة للمواجهة تدفعها بوجه الطوفان الثائر.
وفي نهاية المطاف القضية ليست بمقصد يستهدف المرأة بقدر ما هو تدني وخلل في القيم الأخلاقية بصفه عامة وتركيز الخطاب عليه برمته، والتثقيف العام للمجتمع ككل ربما يعيد ما فقدناه، ولاشك ستجني المرأة نفسها حصاده، ولو تحدثنا بصفة خاصة في هذه النقطة لا مناصرة من على من، ذكر على انثى أو العكس بل هما إنسان وشركاء، لا احد فوق الآخر، وغير هذا من دعوات الطرفين أنه الأفضل “دلع مرئ”