قاطرة الكلمة

محمد أبو زيد التجاني يكتب: تربية ست

محمد أبو زيد التجاني

دُعيت مُصادفة منذ فترة لحضور مناقشة رسالة الماجستير لصديق لي وبالفعل ذهبت وكان لها من الأثر العظيم في نفسي، لم يكن نجاح أكثر من لحظة حصاد أعوام كفاح وتعب لأم بسيطة كانت تعمل حارسة العقار المقابل منذ أكثر من عشر سنوات، أب متوفى، واين وحيد وهي وحدها تحملت الكثير من أجله سخافات وتعالي، جهد ومشقة لتلبية اثنى عشر اسرة لأولادهم وضيوفهم، هذا غير متطلبات نظافة العقار، كل هذا لم يمنعها ابدا من التركيز مع الأبن الذي مات أباه وهو بمرحلة الاعداديه، وقد اصرت وهيات له كل السبل لكي يكمل المسيرة، ولم تسمع لأصوات من حولها

“ما تقعديه منها خليه يساعدك” وآخر “يعني هيطلع دكتور ياخي” وآخر هددها بالرحيل بعدما قطعت مايزيد عن عقد من الزمن قال ” بقولك إيه لو مش هتقدري امشي منها، كل شوية مع الواد في المدرسة إلخ من هذه الأقاويل.

وفي المقابل كان من يراها مكافحة، يساعدها بكتب الدراسة للعام الذي قضاه ابنه أو إبنته، أو تتحايل على أحد السكان بتلبية الكثير من الطلبات المنزلية مقابل احتياج ابنها توضيح لبعض المسائل الصعبة، هذا لم يمنع حنيتها ودعمها له بكلمات، شطور يا دكتور، وذلك كان في مرحلة الاعداديه، ولم تقف عندها وكلمات أخرى كان لها قطعا اثر، لم تملك علمًا، ولا ثقافة، بل جهد ومشقة، وكلمات تشجيع وثقة، ومحبه.

حينا كنت أتفكر لما تفعل هذا وتبكي وفاة زوجها، أو تسمع صوت الجماهير المطالبة لها بأن يترك الدراسة ويعمل معهم مما يرون منه من ذكاء وتحمل الشقاء مثل أبيه؟ لكنها أبَت، وأدخلته الجامعة، وبالطبع كان يعمل مع الدراسة ويساعدها بحب حتى آن الآوان، وفي ذات صباح انتقالا بعد تخرجه بسنوات، اليوم هي تشهد حصاد كل هذا.

في المقابل الآخر هناك جار آخر كان مما يشاركنا اللعب، كنا نلقبه يا ” فنان ” لكنه كان فنان يرسم بشكل دقيق ومقلد فنانين بإحترافية، كان ساخراً لابعد الحدود كان يكتب قصص طفولية بارعة، وبالتدريج، بدأ يفقد كل هذا رغم أنهم ميسورون الحال ماديًا، لكن للاخ والأم رأي آخر، كل من لهم عداء معه ولعب مع أبناءه، اقصد الفنان سابقا، يُلطم على وجه ويقال له” ملكش دعوة بيهم دول مش بيحبونا، أو دول بيحقدوا علينا”هذا غير عقاب أخطأ كانت بديهة بالنسبة لسِنه، مع العلم كان أخاه على دراية ليست بدرجة الجاهل، ذات يوم ضربه “بترابيزة ” المكواه امامي، وأخرى:-  رَشق ” سَبت العيش” في رأسه ولكن إذا سب أو شتم من يخالفه كان يداعبه، فهو بالطبع يُخلص ما في نفسه تجاه أعداءه.

كبرنا أصبح الأول كما اخبرتكم طبيبا، والأم جلست لتأخذ راحتها من شقاء الأيام، اما هذا الفنان سابقا، فقد قُتلت مواهبه وإنطفأ نور وجهِ البرئ، وتَحّول لحاقد ليس على الآخرين فحسب، بل إنقلب السحر على الساحر، ومَقت أخاه وأمه، فلم يوفرا له ما وفره الاخرون لأقرانه، وهذا غير ثأر ما مات بداخله، وعمل اخيرًا بعد مرحلة ” الصنايع” كهربائي، كل همه جمع المال، وعلى الجانب الآخر السخرية من ذاك الطبيب ومُعايرته في غيابه، لأن امه كانت حارسة عقار بكلمات، كـ “يدي الحلق…” أو ” تربية مَرة” .

هذا ما جرى في آن واحد لنفس الشخصين، ومع مرور نفس الوقت، هذا دعم بكلمات وحب وعدم استسلام، وهذا زرع حقد وبغض وتهاون بموهبته، لم تكن حارسة العقار على علم ولا تملك المادة لكنها تعلم فقط أن العلم وحده يكفي أن ينتشل ابنها مما فرض عليها هي وابيه، أما هؤلاء أخ وام  متعلمان ويعلما ما معنى الموهبة ولكن الحقد الذي بداخلهم قتل ما بداخله ، فربما كان يصبح فنان كاتب او ممثل أو رسام كاريكاتير ذات شأن وبذلك يرد لهم أيضا اعتبار يرونه إهانة والحق لم تكن إهانة بل كانت تحقير للحقد لما في نفوسهم ليس إلا فاعتبروا أنفسهم مجني عليهم واصروا ان يكون الفنان سابقا، حاقد اخر.

لا تُدخلوا أولادكم في صراعات وتراكمات نفسية ليس لهم فيها ذنب ولم يقترفوها أو هم سبب فيها، اعلم أن الكثير من آباءنا وأمهاتنا الأفاضل يبذلون جهودا كبيرة، لكن رفقًا بهم وقت النصح فما اثقل النصيحة على النفس وهم في النهاية لهم تجربتهم الخاصة فلن يكرروا تجربتكم .. تنتظروا ابدا ذلك،  واتركوهم للحياة تعطيهم وتأخذ منهم

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button