قاطرة الكلمة

كيرلس عبد الملاك يكتب : خطورة الصبغة الدينية على القضية الفلسطينية

كاتب صحافي وباحث في العلوم السياسية

منذ عشرات السنين، تم إضفاء صبغة دينية إسلامية ثورية على القضية الفلسطينية في المجتمعات المتحدثة بالعربية، وكان الاعتقاد الشائع أن هذا المسار هو الأنسب لتحقيق النجاح في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي المدعوم غربياً. إلا أنه بمتابعة الوقائع التاريخية، نجد أن هذا المسار الديني الثوري ألحق أضراراً جسيمة بالقضية الفلسطينية من منظور إنساني، مما أدى إلى إخراجها من الحسابات الحقوقية لصالح تحقيق مصالح سياسية، سواء كانت شخصية أو متعلقة بأطراف ودول معينة.

الصبغة الدينية على القضية الفلسطينية

لقد أدى إضفاء الصبغة الدينية على القضية الفلسطينية إلى تعزيز التطرف الديني والانقسامات المجتمعية. فظهرت جماعات إسلامية متطرفة ترفع لواء الثورة الإسلامية ضد العدو الصهيوني، وكانت النتيجة انقسام المجتمع الفلسطيني إلى فئات متناحرة، وتراجع الدور السياسي للسلطة الفلسطينية الشرعية، مما أضعف المجتمع الفلسطيني الذي ظهر مفككاً وليس له مستقبل واضح. كما أدى هذا إلى انقسام المجتمعات المتحدثة بالعربية إلى جماعات إسلامية متباغضة متحاربة ناقمة على حكامها، مما زاد من درجة عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وجعلها على حافة الهاوية.

عند وقوع هجوم السابع من أكتوبر في العام الماضي، انتشرت فرحة جماهيرية استثنائية خالية من الوعي بالمستقبل. وفي وسط هذه الفرحة، شعرت أن هناك شيئاً يُدبر، فكان الرد الإسرائيلي عنيفاً جداً، حيث أزهق أرواح عشرات الآلاف من الفلسطينيين الأبرياء، مُستنداً إلى الهجوم الذي حدث بدعوى مقاومة الإرهاب. ومع ذلك، لم يشعر المهاجمون ولا مؤيدوهم بأن خطأً قد وقع من جانبهم، ولم يفكروا في تغيير مسارهم. وظهرت تبريرات لا منطق لها استمرت في دعم المسار الديني الثوري الفاشل المشار إليه سابقاً.

تصعيد القضية الفلسطينية

من جهة أخرى، تم تصعيد القضية الفلسطينية على المنابر القانونية والدبلوماسية والسياسية والإعلامية العالمية بجهود عربية وغير عربية، بعيداً عن النبرة الدينية الثورية المعتادة. وكانت النتيجة أنه تم تناول هذه القضية بجدية في محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية باعتبارها قضية إنسانية عادلة. ولم يكن ذلك بسبب هجوم السابع من أكتوبر، بل كان نتيجة لتلك الجهود التي استثمرت رد الفعل الدموي المتهور للسلطة الإسرائيلية لصالح الشعب الفلسطيني وقضيته الإنسانية العادلة. ومن أبرز هذه الجهود، جهود دولة جنوب أفريقيا التي تمثلت في تقديمها دعوى ضد السلطة الإسرائيلية أمام محكمة العدل الدولية، والتي أنتجت توجهات دولية غير مسبوقة داعمة للقضية الفلسطينية. وكان من أهم نتائج هذه الجهود حصول دولة فلسطين على مقعد رسمي في الأمم المتحدة، وهو أمر غير مسبوق في التاريخ.

وفي هذا الإطار، لا يمكن تجاهل جهود الدول العربية الحقوقية والدبلوماسية في دعم القضية الفلسطينية في المحافل الدولية. هذه الدول التي أدركت أن الاصطدام المسلح على أسس ثورية غير محسوبة العواقب لن يؤدي إلا إلى مزيد من الفشل والتفكك وعدم الاستقرار، ليس لفلسطين فقط، بل لكافة أرجاء الشرق الأوسط. وأحدث هذه الجهود هو إعلان المملكة العربية السعودية عن تشكيل تحالف دولي لإقامة الدولة الفلسطينية، ما يُنتظر معه مزيد من العمل الدبلوماسي والقانوني الفعال.

لو تُرك هجوم السابع من أكتوبر لنتائجه دون أي جهود قانونية أو دبلوماسية أو سياسية، لكانت إبادة الشعب الفلسطيني وشيكة وحتمية، بلا أمل في حل أو تصحيح. هذه هي الحقيقة الغائبة عن عقول الكثيرين. إن منطق الثورات الإسلامية والجماعات الدينية الفئوية لم يكن إلا خنجراً في ظهر مجتمعات الشرق الأوسط، وكان داعماً رئيسياً لسردية الاحتلال التي تتخذ من صفة الإرهاب ذريعة ذهبية لتصعيد الاحتراب في المنطقة.

في تقديري، إذا غابت تلك الجماعات المتطرفة عن المشهد، فسوف تستعيد الدولة الفلسطينية وحدتها، وستجد الدول المتضامنة معها شرعية للتدخل ضد الاحتلال على أساس قانوني سليم وبدعم دولي حقيقي ينتصر لحقوق الإنسان. أما استمرار وجود تلك الجماعات في المشهد، فهو بمثابة معطل رئيسي لأي جهود تسعى لإنهاء الاحتلال وإشاعة السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button