قاطرة الثقافة

قصة حياة القديسة تريزيا| «وردة نفيسة في حديقة الكنيسة».. في مدينة ليزيو (4 – 2)

قصة حياة القديسة تريزيا| «وردة نفيسة في حديقة الكنيسة».. في مدينة ليزيو (4 – 2)

قديسة لم تقتصر عظمتها على قلوب المسيحيين فقط، بل وجدت مكانا خاصا في قلوب المسلمين أيضا، تُعَدُّ رمزا عالميا للمحبة والتواضع والإيثار، إنها القديسة تريزيا الطفل يسوع، وما يجعل القصة أكثر إثارة هو أن القديسة لم تكن مجرد شخصية دينية عظيمة، بل كانت أيضا نقطة التقاء بين الثقافات والفنون، بفضل معجزاتها التي شهدت لها أعظم الأسماء في عالم الفن المصري، مثل أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وغيرهما..

نقدم للقراء قصة حياة هذه القديسة عبر سلسلة رائعة من الأجزاء التي أعدها الأب كلود شفراي اليسوعي، والتي نشرتها مجلة المشرق في عام 1925، بعنوان “وردة نفيسة في حديقة الكنيسة” لنكشف تفاصيل مدهشة عن حياة تيريزا، تلك الفتاة التي نالت حب وتقدير الجميع بفضل روحها الطاهرة وسلوكها الذي يجسد القيم الإنسانية النبيلة.

انتقل المسيو مرتين في تشرين الأول (أكتوبر) 1877 بعد وفاة امرأته إلى جوار أخيها المسيو غيرين في مدينة ليزيو، فهناك قضت بناته عدة سنين بهناء العيشة العائلية وأعمال التقى، فكانت أكبرهن ماري تعني بتدبير البيت بهمة ونشاط وتركت لأختها الثانية بولين العناية بالطفلة الصغيرة تريزيا فقامت لديها مقام الأم الرؤوف تهتم بتهذيبها وتعليمها ومشاركتها بكل الأعمال الفاضلة التقويّة، وكان الجميع مساءً قبل الرقاد يتلون سواء صلاة النوم فكانت تريزيا تجثو راكعة قريبا من والدها، قالت: “كان يكفيني أن أنظر إلى والدي لأدرك كيف يصلي القديسون”.. ثم كانت أختها بولين تأخذ تريزيا إلى فراشها فتسألها تريزيا قبل وداعها: أقضيت هذا النهار عاقلة دون ذنب؟ أكان الله مسرورا من سلوكي؟ فتنام نوم الأبرار الصالحين يرفرف حول سريرها ملائكة الله.

على أن تريزيا ما بلغت التاسعة من عمرها حتى أصيبت بمحنة كادت تقضي على حياتها، فإن أختها بولين أحبت الاعتزال عن الدنيا فدخلت في دير الكرمليات في ليزيو في 1 تشرين الأول  (أكتوبر)  1882 فتيتمت تريزيا ثانية واستولى عليها حزن شديد انتهكت بسببه قواها حتى أيس والدها من شفائها لكن أختها البكر ماري جثت بملء الثقة أمام تمثال العذراء وطلبت إليها بإخبات أن تشفي شقيقتها، قالت تريزيا: “فرأيت حينئذ وجه البتول يتلألأ نورا ويسبي القلب بهاء وإذا بوالدة الله تقربت من فراشي وتبسمت لي فكان ابتسامها دواء ناجعا أعاد لي تمام صحتي” .

وفي 8 آذار (مارس) سنة 1884 تقربت لأول مرة من سر القربان الأقدس وبه أضحت حياتها حياة ملاك متقمص جسما بشريا وكانت إذ ذاك في جملة البنات الداخليات في مدرسة الراهبات البندكتيات اللواتي كن يشكرن الله لحصولهن على مثل هذه الفتاة العجيبة، وإذ سألتها واحدة من معلماتها في أحد أيام العطلة: كيف تقضي تلك الفرصة، أجابتها تريزيا: إني أتأمل؟

– وبأي شيء تتأملين؟

– أتأمل بجودة الله وبقصر هذه الحياة الزائلة وما يتبعها من الأبدية.

تلك كانت أفكار تريزيا فزادت في قلبها تأصلًا لما رأت أختها الكبيرة ماري هي أيضا تقرئ الوداع العالم مقتدية بأختها بولين فترهبت في ديرها في شهر تشرين 1886، وكانت تريزيا منذ صغر سنها تتوق إلى الترهب فطلبت إذ بلغت التاسعة من عمرها من رئيسة الكرمل أن تنظمها بين الطالبات لرغبتها بأن تساكن أختها ماري، غير أن أختها الثالثة سيلين كانت هي أيضا تستكره العالم وتريد أن تتبع أختيها فكان لها الحق أن تسبق أختها الصغيرة على أنها فضلت تضحية رغبتها وعزمت على أن تبقى في خدمة والدها إلى موته فسمحت لتريزيا أن تسبقها إلى الحياة النسكية.

فلما كان يوم عيد العنصرة فاتحت والدها برغبتها فكان جواب والدها جواب رجل مسيحي لا يريد غير مشيئة الله فقال: “هلمي معي يا ابنتي لنسير إلى الكنيسة ونجثو أمام القربان الأقدس فأشكر الرب على النعمة الجزيلة التي يسبغها على عائلتي إذ هو يختار له عرائس من بناتي، فإني أعدّ كشرف عظيم أن يطلب مني أولادي ولو عرفت شيئا أفضل من هذه التقدمة لأسرعت وقدمتها لجلاله.. فهذا الجواب عينه كرره لابنته الرابعة سيلين لما عرضت عليه برغبتها في الزهد بالعالم بعد عدة سنين.

على أن ترهب تريزيا لقي عائقا آخر ما كانت لتنتظره، فإن قوانين راهبات الكرمل لم تسمح بقبول طالبة قبل بلوغها السنة العشرين من عمرها وكان عمر تريزيا 15 سنة فأبت الرئيسة قبولها، فالتجأت الفتاة إلى أسقف مدينة ليزيو الذي سألها: منذ كم سنة تفكرين في دخول الرهبانية؟ فأجابت: قد اشتهيت أن أخصص نفسي لخدمته تعالى منذ السنة الثالثة من عمري، فأحالها إلى الحبر الأعظم فذهبت إلى رومية وكنت تلك السنة 1887 يوبيل لاون الثالث عشر الكهنوتي الذهبي، فلما أذن لها أن تجثو أمام قداسته قالت: “أيها الآب الأقدس أرجو من قداستك أن تمنحني بنسبة هذا اليوبيل الرخصة بالدخول في الكرمل على الرغم من قصر عمري”، فأجاب إمام الأحبار إلى طلبتها، وإذ عرض عليها زيارة الأراضي المقدسة قبل ترهبها، أجابت: قد سئمت نفسي من زيارات الأرض فلست أرغب سوى أفراح السماء بحبس نفسي في الدير وما لبثت أن ودعت العالم وسلمت كل ذويها وألقت النظر الأخير على بيت والدها طالبة منه بركته الأبوية، ففرت كالطائر الذي قطعت روابطه إلى حيث كان قلبها، فقفلت عليها أبواب دير ليزيو في 9 نيسان (إبريل) 1888

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button