سعيد البسطويسي يكتب: خطة منهجية للارتقاء بالذائقة اللغوية والأدبية
دكتور سعيد البسطويسي & أستاذ الدراسات الإسلامية والعربية كلية الآداب – جامعة عين شمس
دكتور سعيد البسطويسي & أستاذ الدراسات الإسلامية والعربية كلية الآداب – جامعة عين شمس
كثيرًا ما يسألني بعض النابهين من الطلاب عن وسائل الارتقاء بالذائقة اللغوية والأدبية كي يتمكنوا من التعبير الأدبي الرصين في كتابتهم عامة وفي إبداعهم الأدبي أو العلمي خاصة، وتكمن الإجابة عن هذا التساؤل في محورين اثنين:
المحور الأول: ويتمثل في القراءة الواعية المدققة أولًا للقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، ثم لكبار أدباء العربية الذين تمهّروا في كتابة النثر العربي، قراءة تهدف تُعنى بفحص الأسلوب والتدقيق في خصائصه وكيفية صوغه، والعمل على محاكاته ومجاراته. ولا بد من تخير قائمة رصينة لطائفة من أنصع الأدباء والكتاب أسلوبًا وإبداعًا. وسنبدأ بالمعاصرين والمحدثين منهم، ثم نثني بأعلام الأدب والبلاغة من القدماء.
ويأتي على رأس القائمة بالطبع طه حسين، بأسلوبه المتفرد، وصياغته الباهرة، وسلاسته الآسرة، وإيقاعه المحبب، وإذا كنتَ ممن يتحفظون تجاه بعض أفكاره فعليك بكتبه الأدبية الخالصة كالمعذبين في الأرض، ودعاء الكروان، والوعد الحق، والأيام، والمتنبي وحافظ وشوقي… وغيرها كثير.
ثم عليك بإدامة النظر والتأمل والدرس في كتب العقاد، وإبراهيم عبد القادر المازني، والرافعي، ومصطفى لطفي المنفلوطي، ومحمد حسين هيكل، وشكيب أرسلان، وزكي مبارك، وأحمد أمين، وأحمد حسن الزيات، وتوفيق الحكيم، ونجيب محفوظ.
ويضاف إلى هؤلاء الأدباء بعض المختصين في بعض فروع الثقافة العربية والإسلامية، ومنهم زكي نجيب محمود، ومصطفى عبد الرازق، ومحمود الطناحي، ومحمود شاكر ومحمد الغزالي، وعلي الطنطاوي، والطاهر ابن عاشور، ومحمد الخضر حسين، ومحمد البشير الإبراهيمي، وسعد مصلوح وأسامة شفيع السيد رحمه الله وأجزل له المثوبة. ومن أنصع الأساليب المعاصرة أسلوب محمد المخزنجي، وله اهتمام رائق بالأدب العلمي، وكذلك أسلوب محمد المنسي قنديل.
وأما أرباب البلاغة والأدب من القدماء فاقرأ لمن شئت من المفسرين والفقهاء والمحدثين والأصوليين واللغويين والنقاد، فكلهم من أساطين الكتابة وأرباب البراعة، على أن هناك من اشتهر منهم اشتهارًا بالغًا حتى عدّ من رؤساء المتأدبين، وعلى رأسهم الجاحظ، وابن قتيبة، وأبو حيان التوحيدي، وأبو إسحاق الصابي، وأبو الفرج الأصفهاني صاحب الأغاني، والحريري، والهمذاني من أصحاب المقامات، وأبو علي القالي صاحب الأمالي، والثعالبي صاحب يتيمة الدهر، والقيرواني صاحب زهر الآداب، وابن عبد ربه صاحب العقد الفريد، وأبو العلاء المعري، والقلقشندي صاحب صبح الأعشى.
عيون الشعر العربي
وأما من الشعراء فينبغي لكل متأدب أن يحفظ من عيون الشعر العربي ما يقوم به لسانه، ويرقق به فؤاده، ويرهف به إحساسه، ومن بين عيون المكتبة العربية الزاخرة بآلاف الدواوين والمختارات الشعرية، فإنني أوصي بشدة بكتاب (زبدة الشعر العربي) لعارف حجاوي، وهو مختارات راقية لخمسين شاعرًا من كبار شعراء العربية على مر العصور، إضافة إلى خلاصة نافعة من كتب المختارات الشعرية كالمعلقات والمفضليات والأصمعيات ويتيمة الدهر وغيرها… هذا هو المحور الأول، وهو يتضمن نتاج أكثر من مئة أديب من أعظم أدباء العربية وشعرائها.
المحور الآخر: أن يقصد الكاتب قصدًا إلى التأنق في الأسلوب والبلاغة في الصياغة. فكثير منا قد درس هذه الأساليب التي أشرنا إليها دراسة فاحصة، ورغم ذلك فلم يرتق أسلوبه على النحو المأمول، وذلك لأنه لم يقصد قصدًا إلى الإنشاء البليغ والصياغة الراقية. نفعني الله وإياكم وجعلنا ممن يحسنون البيان ويتخذونه طريقًا للحق والعدل ونيل جنان الرحمن.