قاطرة الكلمة

د.وائل كامل يكتب : “السرقات العلمية في الجامعات: أزمة اقتصادية وأكاديمية تتطلب إصلاحاً شاملاً”

وائل كامل دكتور بكلية التربية الموسيقية جامعة حلوان

ازدادت السرقات العلمية في الأوساط الأكاديمية بشكل مقلق ، واخرهم ما تم الاعلان عنه من اتهام عميد احدى الكليات بتطابق بعض من أبحاثه العلمية في الترقية لدرجة الاستاذية مع أبحاث تم نشرها منذ 10 سنوات .
ومن المتوقع أن تستمر هذه الظاهرة في الازدياد ، ولم ولن تختفي خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة وزيادة معدل التضخم بشكل جنوني.
يعاني الباحثون من انخفاض الرواتب التي تصنفهم في أسفل السلم الاقتصادي للطبقة المتوسطة، بل قد يتم تصنيف رواتب المجتمع الجامعي ضمن خط الفقر بناء على تقرير البنك الدولي الجديد الصادر اكتوبر ٢٠٢٤ بعنوان “الفقر والرخاء والكوكب” والذي اوضح أن خط الفقر في الشريحة العليا هو أقل من 6.85 دولارات في اليوم. بما يعني ان الفرد الواحد يحتاج ل٢٠٥ دولار شهريا بما يوازي عشرة الاف وخمسمئة جنيه شهريا للفرد الواحد. وهو ما يوازي متوسط الرواتب بالمجتمع الجامعي .

إضافة إلى ذلك، يعاني قطاع البحث العلمي في الجامعات من نقص حاد في ميزانياته ان لم يكن انعدام موازنة، مما يزيد من تفاقم المشكلة.

في ظل التضخم العام وارتفاع الأسعار، أصبح من الصعب على بعض الباحثين تخصيص الوقت والموارد اللازمة لإجراء أبحاث أصلية وذات قيمة علمية حقيقية. فالبحث العلمي يتطلب مبالغ كبيرة منذ بدايته وحتى مرحلة النشر، في حين أن بعض أعضاء الهيئة التدريسية أو الهيئة المعاونة لا يتقاضون رواتب تكفي لتلبية احتياجات أسرهم لمدة أسبوعين فقط من الشهر مما يتجهون للبحث عن مصدر دخل إضافي . وبسبب هذا العجز المالي، يتجه بعض الأكاديميين إلى السرقات العلمية كوسيلة لتلبية متطلبات العمل الأكاديمي، خاصة في ظل الحاجة للترقية للحصول على زيادة بسيطة في الرواتب.

على الرغم من تطور العديد من برامج فحص الاقتباس التي تهدف إلى كشف السرقات العلمية، إلا أنها تبقى غير كافية للقضاء على هذه الظاهرة. فهناك برامج لإعادة الصياغة التي تسمح للباحثين بالتحايل على أنظمة الفحص، مما يمكنهم من تقديم أبحاث تبدو جديدة لكنها قد تكون مجرد إعادة صياغة أو “تأييف” أبحاث في تخصصات أخرى على مقاس التخصص المطلوب.

هذه الظاهرة تكشف أن زيادة القيود في نظم الترقيات أو تطوير برامج فحص الاقتباس ووضعها كشرط ترقي لا يكفي للقضاء على السرقات العلمية، لأن المشكلة الأساسية لم يتم حلها وهي تكمن في ضعف الرواتب التي تدفع الأكاديميين للبحث عن بدائل مالية بتوفير النفقات والوقت والجهد لتلبية احتياجاتهم في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تسببت في الإنشغال وعدم التفرغ بالبحث عن مصدر دخل آخر لتلبية متطلبات المعيشة. لذلك، من الضروري إصلاح النظام الأكاديمي بشكل شامل، بما في ذلك تحسين رواتب الأكاديميين، وتغيير نظم الترقيات لتقليل الضغوط التي تدفع البعض إلى تبني أساليب غير شريفة. فزيادة القيود والعقوبات لن تحل المشكلة ما دامت الأسباب الاقتصادية قائمة.

من الأهمية بمكان أيضًا التمييز بين نظام ترقيات أعضاء هيئة التدريس في الجامعات وأعضاء هيئة تدريس مراكز البحث العلمي. فلكل منهما مهام وظيفية مختلفة. وظيفة عضو هيئة التدريس الجامعة هي التدريس، وتنشئة الأجيال، وخدمة المجتمع، والبحث العلمي الذي يخدم المهمتين السابقتين ، بينما مهمة عضو هيئة التدريس في مراكز البحث هي البحث العلمي فقط . لذلك لا ينبغي أن يتم توحيد نظام الترقيات وقصره على عدد الأبحاث المنشورة فقط، لأن ليس كل باحث جيد هو مدرس مبدع، كما أن ليس كل مدرس جيد هو باحث متميز.

في العديد من المجتمعات والمراكز البحثية، تحوّل البحث العلمي من هدف أكاديمي نبيل وغاية تلبي الطموح إلى وسيلة ترقية أكاديمية لزيادة الراتب بضع جنيهات. وأصبح النجاح والترقي يُقاس بعدد الأبحاث المنشورة بغض النظر عن جودتها أو فائدتها التطبيقية . أصبحت الأبحاث تُعدّ “بالكيلو”، دون النظر إلى قيمتها العلمية أو أثرها على المجتمع المحلي . وبذلك تزداد الأبحاث سنويًا دون مراعاة لجودتها أو فائدتها الفعلية وللأسف، تظل العديد من الأبحاث مهملة في المكتبات، تُستخدم فقط للاستشهاد أو الاقتباس منها أو سرقتها في أبحاث أخرى وبعضها قد لا يقدم إضافة جديدة . وتستمر هذه الدورة من الاقتباسات والسرقات والنقل المتكرر وهي لازالت على الأرفف دون أي فائدة حقيقية للعلم أو للمجتمع.

بدلاً من التركيز على زيادة عدد ابحاث الترقي ، يجب أن تتغير النظرة إلى التركيز على مدى فائدته وتأثيره وتطبيقه بالمجتمع فبحث واحد يفيد المجتمع افضل من عشرات الابحاث المغطاه بالتراب على ارفف المكتبات، ووضع البحث العلمي كأولويه وهدف تطوير مجتمعي، بتحسين تمويل الأبحاث وزيادة رواتب الأكاديميين بما يضمن لهم القدرة على إجراء أبحاث أصيلة وذات قيمة حقيقية ومؤثرة في نهضة وتقدم وطننا الحبيب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى