قاطرة الكلمة

د.محمود أحمد فراج يكتب : الاقتصاد الفضائي في إفريقيا: فرص وتحديات النمو

دكتور متخصص فى الشأن الأفريقى جامعة القاهرة

أصبح الفضاء الخارجي من مقومات القوة الرئيسية التي تسعى الفواعل الدولية لامتلاكها لتعزيز قدرتها التنافسية ومكانتها في النظام الدولي. لم يعد الفضاء مجالًا مقتصراً على القوى العظمى، بل شهدت السنوات الأخيرة تطلع قوى ناشئة وشركات خاصة للانخراط في المنافسة العالمية على الزعامة الفضائية.

دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ليست بمنأى عن هذه المنافسة المتصاعدة. فقد أدركت هذه المنطقة، وبعض بلدانها الناشئة، الأهمية الاستراتيجية لتكنولوجيا الفضاء، وقامت بتشكيل شراكات واستثمارات جديدة في البنية التحتية الفضائية. يُعدّ الاستثمار في الفضاء أمرًا حيويًا للدول.

هناك ثلاثة دوافع رئيسية وراء تنامي الاهتمام بالفضاء الخارجي:

دوافع جيوسياسية تتعلق بالحفاظ على الأمن القومي للدولة وتعزيز مكانتها الجيوسياسية، حيث أصبحت الأصول الفضائية أدوات محورية للسياسة الخارجية والأمن.

ودوافع اقتصادية حيث يُعدّ الفضاء مجالاً غنيًا بالموارد الطبيعية ولديه إمكانات علمية وتكنولوجية تؤهله للمساهمة في تعزيز اقتصادات الدول، من خلال خلق المزيد من الثروات وفرص العمل الجديدة، والارتقاء بجودة الحياة عبر توفير خدمات جديدة. وتشير تقارير إلى أن الأرباح المالية من الاستثمار في الفضاء هائلة.

بالإضافة إلى ذلك، هناك دوافع عسكرية، حيث أصبحت القوات المسلحة تدرك أنها لا يمكنها العمل دون القدرات الفضائية المتمثلة في الملاحة بواسطة الأقمار الصناعية، ومنظومات القيادة والتحكم والاستطلاع والمراقبة. في إفريقيا، تُعد تكنولوجيا الفضاء من أهم الركائز التي تعتمد عليها القارة في تطوير قدراتها وتحسين أوضاعها الاقتصادية والأمنية. أصبحت الأقمار الصناعية الأفريقية ضرورة لمواجهة التحديات العالمية بكفاءة.

تطبيقات تكنولوجيا الفضاء من أجل التنمية المستدامة في إفريقيا: تلعب تكنولوجيا الفضاء دورًا محوريًا في دعم أهداف التنمية المستدامة في إفريقيا، من خلال تطبيقات متعددة تشمل:

• الزراعة والأمن الغذائي:

يُعد الاستشعار عن بعد من أهم تطبيقات تكنولوجيا الفضاء في القطاع الزراعي الأفريقي. يوفر معلومات دقيقة عن حالة المحاصيل، مستويات رطوبة التربة، توقعات الإنتاج الزراعي، ورصد الآفات والأمراض النباتية. هذه المعلومات تساعد المزارعين على اتخاذ قرارات أفضل لزيادة الإنتاجية وتحسين الأمن الغذائي.

تعمل شركات مثل فارمونوت على استخدام بيانات الأقمار الصناعية لتقديم حلول مبتكرة للزراعة الدقيقة، تشمل مراقبة صحة المحاصيل، تحليلات متقدمة للتربة والرطوبة، وتوقعات دقيقة للطقس لتحسين جدولة الري والحصاد. كما تساعد تقنيات الزراعة المحافظة على الموارد، المدعومة ببيانات الأقمار الصناعية، في تحسين بنية التربة وتقليل التآكل والحفاظ على رطوبة التربة.

• إدارة الكوارث:

تُعد تطبيقات الأقمار الصناعية في إدارة الكوارث من أهم الاستخدامات المدنية لتكنولوجيا الفضاء في إفريقيا. فهي تساعد في رصد الكوارث الطبيعية قبل وقوعها، تقييم الأضرار بعدها، وتنسيق جهود الإغاثة والإنقاذ. استخدمت موزمبيق صور الأقمار الصناعية لتقييم أضرار إعصار إيداي في عام 2019 للمساعدة في توجيه جهود الإغاثة.

• رصد البيئة والموارد الطبيعية:

تلعب أقمار رصد الأرض دورًا حاسمًا في مراقبة التغيرات البيئية والمناخية في القارة، مثل تغيرات الغطاء النباتي، مستويات التلوث، والتغيرات في استخدام الأراضي. تستخدم كينيا بيانات الأقمار الصناعية لمراقبة إزالة الغابات ووضع خطط للحفاظ على الغطاء الحرجي. كما تساعد في رصد طبقات المياه الجوفية والمسطحات المائية ومعدلات هطول الأمطار. • الاتصالات والتعليم والصحة: تساهم تكنولوجيا الفضاء في تحسين الاتصالات في المناطق النائية، ودعم التعليم عن بعد، وتطوير خدمات الصحة الإلكترونية. استخدمت رواندا تكنولوجيا الأقمار الصناعية لتوفير خدمات الإنترنت في المناطق الريفية. جهود الدول الإفريقية في مجال الفضاء: تسعى العديد من دول إفريقيا نحو تطوير قدراتها في مجال الفضاء، مدركةً أهميته للتنمية.

من أبرز هذه الجهود:

• مصر:

تُعد مصر من أوائل دول المنطقة التي استخدمت الاستشعار عن بُعد لخدمة المشاريع القومية. وتحتل المركز الأول على الصعيد الإفريقي في امتلاكها للأقمار الصناعية.

أطلقت مصر أقمارًا صناعية مثل “مصر سات 2″ في ديسمبر 2023 و”نيكسات – 1” التجريبي في فبراير 2024. كما تستضيف مصر المقر الدائم لوكالة الفضاء الإفريقية في مدينة الفضاء المصرية، وهو حدث تاريخي يعكس التزامها بدعم جهود التنمية العلمية والتكنولوجية في القارة. تهدف الوكالة لتعزيز التعاون بين الدول الإفريقية في الاستخدامات السلمية للفضاء وتبادل الخبرات وبناء القدرات.

تسعى الوكالة لتطوير القدرات الفضائية للدول الإفريقية لتمكينها من الاستفادة من تكنولوجيا الأقمار الصناعية في مجالات متعددة منها مراقبة الأرض، الاتصالات، الملاحة، إدارة الكوارث، الزراعة، والموارد الطبيعية. قدمت مصر دعمًا بقيمة 20 مليون دولار لتعزيز عمليات الوكالة وتوفير البنية التحتية.

كما أطلقت مصر مبادرات مثل “البرنامج التدريبي الأفريقي” الذي خرّج 71 مهندسًا وعالمًا متخصصًا من 34 دولة إفريقية، ومشروع “القمر الصناعي الأفريقي للتنمية” لمواجهة تحديات التغير المناخي.

• الجزائر:

يضم برنامج الفضاء الجزائري أسطولًا من ستة أقمار صناعية وثلاثة مراصد تُستخدم في مراقبة الأرض والأرصاد الجوية والاتصالات. • جيبوتي: أعلنت عن خطط لبناء أول ميناء فضائي في إفريقيا بالتعاون مع شركة صينية، مما سيشكل علامة فارقة في تطوير قدرات الفضاء في القارة.

التحديات والفرص المستقبلية:

على الرغم من التقدم، لا تزال هناك تحديات تواجه تطوير برامج الفضاء في إفريقيا، مثل نقص التمويل والموارد، محدودية البنية التحتية، والحاجة إلى تطوير الكوادر المتخصصة. ومع ذلك، فإن المستقبل يبدو واعدًا مع زيادة الاستثمارات في هذا المجال وتنامي الوعي بأهمية تكنولوجيا الفضاء للتنمية والأمن. الفضاء مورد أساسي للأمن والازدهار لدول المنطقة.

يمكن لسباق الفضاء، رغم كونه في صميم تعزيز الأمن القومي لكل دولة، أن يكون منصة لترسيخ التعاون للمضي قدمًا، عبر دبلوماسية الفضاء ومجموعة التعاون الفضائي العربي ومشاريع الأقمار الصناعية المشتركة.

من المرجح أن تصل إيرادات سوق خدمات الإطلاق الفضائي في الشرق الأوسط وإفريقيا إلى 578.3 مليون دولار أمريكي بحلول عام 2030، بمعدل نمو كبير. الخاتمة: يُعدّ الاستثمار في تكنولوجيا الفضاء في إفريقيا محركًا أساسيًا لتحقيق التنمية المستدامة في القارة.

من خلال توفير بيانات وإمكانيات متقدمة في مجالات حيوية مثل الزراعة، إدارة الكوارث، مراقبة البيئة، والاتصالات، تساهم تكنولوجيا الفضاء في مواجهة التحديات الملحة وتعزيز النمو الاقتصادي والاجتماعي. ومع تزايد الاهتمام والاستثمار من قبل الدول الإفريقية والشركاء الدوليين، يبدو مستقبل القارة في الفضاء مشرقًا، بما يفتح آفاقًا جديدة للتقدم والازدهار لصالح ملايين الأفارقة. يتطلب تحقيق الأمن الغذائي والتنمية المستدامة في إفريقيا جهودًا تعاونية، تلعب فيها التكنولوجيا، المدعومة بالاستثمار في الفضاء، دورًا حاسمًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى