قاطرة الكلمة

د.عبير بسيوني تكتب :من جولة الرئيس السيسي بالدول الاسكندنافية:نجاح النرويج في جعل الاستثمار هدف للدولة لتنمية المجتمع (1/2)

الدكتورة عبير بسيوني&وزير مفوض بوزارة الخارجية


مملكة النرويج ذات حكم ملكي دستوري تقع شمال غرب القارة الاوروبية. ومنذ تكوين النرويج والبحر يمثل مصدر رزقها ثم كان لاكتشاف البترول تأثير كبير في سياسات النرويج الداخلية والخارجية خاصة فيما يتعلق بتشكيل “الشراكات الاستراتيجية” خاصة التجارية كدولة مصدرة للبترول.

وأدى الموقع البحري المتميز للنرويج الي جعلها دولة بحرية من الطراز الأول، وصاحبة اسطول بحري حديث وكبير، والموارد الرئيسية للنرويج تأتي من موقعها البحري: النفط والغاز والثروة السمكية، والنقل البحري والتجارة. وتشترك هذه الموارد والنشاطات الاقتصادية في عنصر اعتمادها على البيئة وتغيرات المناخ، ولذلك ليس هناك شك في أن السياسات الخارجية الرئيسية للنرويج مرتبطة بموضوعات الطاقة، البيئة، التجارة الحرة وفقا لنظام الخدمات الرأسمالية: الشحن، والخدمات البنكية والاستثمارية.

النرويج الدولة الخامسة كمصدر للنفط


النرويج غنية بالموارد الطبيعية من النفط (خامس اكبر مصدر على مستوى العالم)والغاز الطبيعي (ثالث اكبر مصدر على مستوى العالم)، وتساهم الصناعات البترولية بحوالي ربع الناتج المحلي الإجمالي. والطاقة الكهرومائية فيها تمثل 100% من استهلاك الكهرباء بها ، وبها مساحات واسعة من الغابات (هي مصدر أشجار الكريسماس واسطورة بابانويل) ومصدرة لعدد من المعادن، ولديها ثروة سمكية كبيرة فهي ثاني أكبر مصدر للمأكولات البحرية (من حيث القيمة، بعد جمهورية الصين الشعبية)، والأولى على مستوى أوروبا.

احتلت موضوعات الطاقة مرتبة السياسات العليا بالنرويج فلا يتم طرحها داخليا او دولياً الا من خلال رئيس الحكومة النرويجية، فقد اصدرت الحكومة النرويجية عام 1974 اول ورقة بيضاء اعتمدها البرلمان النرويجي بعنوان “دور صناعة البترول في المجتمع النرويجي” اكدت من خلالها الاهتمام باجراء تغيرات هيكلية في الاقتصاد النرويجي وطريق النمو المستمر وتوالت بعد ذلك (مثل مبادرة “الطاقة للجميع” في اكتوبر 2011).
تتميز التجربة النرويجية عن باقي الدول النفطية باتخاذها قرار هام، بعدم الاعتماد على النفط لتمويل ميزانيتها، وبالتالي انخفض اعتماد وتأثر الاقتصاد النرويجي بتقلبات الأسعار وحاربت بذلك التضخم وتكون لديها احتياطي نقدي كبير، وأبقت إيرادات البترول في صندوق، لا تأخذ منه إلا ما يعادل 4% سنوياً، لدعم الميزانية، والباقي يستثمر للأجيال المقبلة، ولا يؤثر على الميزانية. وقامت إستراتيجية النرويج على أهمية دعم الصناعات الأساسية والتحويلية شريطة ان يكون هناك افق معلوم ومحدد لذلك الدعم حتى تقف الصناعات على قدميها ثم يزول.
شهدت النرويج نمواً اقتصادياً سريعاً بالأخص في العقدين الأولين من القرن العشرين بسبب الشحن النرويجي والتجارة البحرية والتصنيع المحلي. أما ازدهارها وتراكم الثروة لديها فتحقق في أوائل عقد السبعينيات من القرن العشرين ويعود لاستثمار عوائد النفط والغاز الطبيعي التي تم اكتشافها في بحر الشمال وبحر النرويج. تعد النرويج حالياً ثالث أغنى بلد في العالم من حيث القيمة النقدية، مع ثاني أكبر احتياطي للفرد الواحد من أي دولة أخرى. النرويج هي خامس أكبر مصدر للنفط وتساهم الصناعات البترولية بحوالي ربع الناتج المحلي الإجمالي. وفي أعقاب الأزمة المالية العالمية للفترة الممتدة بين سنوات 2007 و 2010، اعتبر المصرفيون الكرونة النرويجية إحدى أكثر العملات ثباتاً في العالم.
والادخار والاستثمار هو أساس الاقتصاد الرأسمالي النرويجي (أي تراكم رأس المال) كما ان الشعب النرويجي من أكبر المستثمرين العقاريين في اوروبا كلها، ففي المتوسط لدى كل أسرة نرويجية –بالإضافة الى ممتلكاتها داخل النرويج- عقار واحد على الأقل في الخارج لاستخدامه في الأجازات او تأجيره للاستفادة من ريعه او الاثنين معاً.
تحتفظ النرويج بنموذج الرعاية الاسكندنافية بوجود نظام رعاية صحية عالمي ودعم نظام التعليم العالي ونظام شامل للضمان الاجتماعي. وصنفت النرويج في المرتبة الأعلى بين جميع البلدان في مجال التنمية البشرية للفترة الممتدة منذ عام 2001 وحتى الان
وتعد النرويج ثاني اكبر ناتج قومي اجمالي في العالم (وتسبق في ذلك الولايات المتحدة والسويد والدانمارك والمانيا وغيرها) وهي ثالث أغنى بلد في العالم من حيث القيمة النقدية، مع ثاني أكبر احتياطي للفرد الواحد من أي دولة أخرى.

وقد تضاعف ناتجها القومي. أما اجمالي حجم صندوق المعاشات الحكومي وصل في ديسمبر 2024 الي 1.8 تريليون دولار بسبب صادرات النفظ والغاز النرويجي وارتفاع الأسهم بعد ان كان في فبراير 2015 اكثر من6.7 ترليون كرونة أي ما يعادل 870 بليون دولار امريكي بما يمثل ضعفي الناتج المحلي للنرويج، ويعد اكبر صندوق سيادي في العالم (تفوق منذ عام 2010 على صندوق دبي الذي كان يحتل المرتبة الأولى) وتتضاعفت ارباحه سنويا.

ويعتمد تمويله على حصيلة إيرادات النرويج من البترول، ويمتلك الصندوق 1% من اسواق الأسهم العالمية و1.78% من البورصة الاوروبية وبذلك يعد صاحب اكبر رصيد اسهم في اوروبا.

جولة الرئيس السيسي بدول الاسكندنافية

من جولة الرئيس السيسي بالدول الاسكندنافية:
دور الإعلام في مكافحة الارهاب في النرويج (2/2)
عانت مصر، على مدى تاريخها الحديث، من حوادث إرهابية شتى أبرزها إغتيال رئيس وزراءها النقراشي باشا، والقاضي الخازندار، والأديب والوزير يوسف السباعي، والرئيس السادات، ومذبحة السياح بالاقصر، وإغتيال النائب العام، وضحايا التفجيرات والعمليات الإرهابية في مصر.

أما خارج مصر فبالرغم من حدوث عمليات إرهابية شتى إلا أن وتيرتها والإهتمام بها والرد عليها إزداد بشكل كبير بعد أحداث تفجير برجي التجارة العالمي في نيويورك في سبتمبر 2001.

محاربة النرويج للإرهاب


وقد مرت النرويج بتجربة إرهابية عنيفة راح ضحيتها 77 نرويجي، معظمهم من الأطفال، فكانت –وهي التى يعتبرها البعض حلم الهجرة والحياة المثالية- الدولة الاوروبية الأولى التى عانت من كراهية الاجانب بحادث ارهابي شنيع قام به المتعصب اليميني بريفيك في يوليو 2011 عندما قام بالاعتداء على مقر حزب العمال (الحاكم آنذاك) أثناء إحتفالاته بوسط اوسلو وبأحد الجزر باعتباره الحزب الذي سمح بهجرة المسلمين الي النرويج في حملة ضد “أسلمة النرويج”.
ومنذ هذه الحادثة في 2011 رفعت النرويج تأهبها الأمني، وتمكنت من احباط مخططات وعمليات إرهابية بحرفية وبدون خسائر كبيرة بالرغم من تعدد عمليات الإرهاب على مستوى العالم، وبالذات بأوروبا: موسكو ولندن ومدريد وكوبنهاجن وباريس وبروكسل.

اعتمدت النرويج على عاملين أساسيين كدعائم نجاحها في التصدي للإرهاب هو الحسم مع المكاشفة ومحاسبة الذات من جهة، والمرونة في استخدام الأدوات المختلفة من جهة أخرى مما يجعل المواطن والزائر للنرويج، وهي تزيد عن خمسة ملايين نسمة، لا يشعر بالقبضة الأمنية المحكمة للأمور مع أنها بالفعل دولة “أمنية” من الطراز الأول.

ولديها ما يزيد عن مئة ألف (100000) من قدامي المحاربين وعدد قوات الجيش المحترف بالنرويج في الأوقات العادية 23 ألف شخص أما في حالات الاستنفار فهو 83 ألف ولدى القوات المسلحة 33 قاعدة في أنحاء النرويج.
ومحاسبة الذات في مكافحة الإرهاب مرتبطة بسمات المجتمع النرويجي الرافضة للعنف واحترام الآخر.

دور وسائل الإعلام والصحافة في نبذ العنف بالنرويج

وجزءا كبيرا من قدرة المجتمع النرويجى على التسامح فى التعامل والبعد عن التطرف يعود إلى طبيعة وسائل الإعلام.

فالصحف النرويجية تعتمد بشكل أساسى على الاشتراكات أكثر من اعتمادها على بيع الجرائد، لذلك هى لا تعتمد على العناوين المثيرة لجذب القراء، وأسلوب الكتابة لديها براجماتى أكثر من كونه عاطفيا، وتعالج الصحافة النرويجية القضايا بهدوء، وتنحو الى التعامل مع الأحداث باعتبارها حالات فردية، وبالذات عند تعاملها مع تفجيرات اوسلو 22 يوليو 2011 حيث ما زالت الصحف ترفض الاعتراف بوجود “توجهات عنصرية” داخل المجتمع النرويجي، وترتاح الى وصف بريفيك (مرتكب الحادث) بالمختل لتسهيل فهمه والتعاطى معه.
وفى كتابه (عندما يقتل الأطفال أطفالا: عقوبات الشعوب والثقافة السياسية) يقارن الخبير الجنائى الأمريكى ديفيد جرين بين أسلوب الإعلام البريطانى والإعلام النرويجى فى تغطية أخبار قتل أطفال أطفالا مثلهم، فيقول إن الصحافة البريطانية صورت تلك الأخبار على أنها مؤشر خطير على انهيار الأخلاق فى بريطانيا.

أما الصحافة النرويجية فعالجت القضية بهدوء، ووصفتها بأنها «سابقة مأساوية تتطلب تدخل الخبراء لكى يسهلوا عملية إعادة دمج هؤلاء الأطفال المجرمين فى المجتمع»، وهكذا يتم دائما التعامل مع حوادث العنف الكبيرة على أنها حالات فردية، لا على أنها عرض لانحطاط وتدهور مجتمع، وهو ما يسهل فهمها والتعاطى معها.


وبهذا، فيمكن استخلاص ان النرويج اعتمدت في حربها على الإرهاب على استراتيجية إعلامية مدروسة لحقوق الانسان قوامها ما يلي:


أن دور الإعلام خاصة في الأزمات “إدارة سمعة الدولة”، وحددت المحتوى المحظور نشره “من خطاب الكراهية” في وسائل الإعلام التقليدية والرقمية مع التعريف الجيد لمهمة الصحافة والإعلام في إطار بحثها الدائم عن الحق في الحصول على المعلومات لخدمة المجتمع، والحث على تعميم لغة الحوار بالعقلانية والهدوء وفي نفس الوقت الحفاظ على المبادئ الحقوقية في الإعلام من خصوصية الأفراد
التأكيد على الحرية والفكر الواعي للصحافة والإعلام لإحداث التوازن بين الفردية وحق المجتمع لتحقيق قيم الدولة المتماسكة.
أن تكون معالجة الصحافة والإعلام للقضايا بهدوء، وبدون إثارة مفتعلة، والنحو الى التعامل مع أحداث “العنف” بشكل خاص باعتبارها حالات فردية، والتأكيد على القيم الإيجابية الثابتة في المجتمع، ورفض الاعتراف بوجود “توجهات عنصرية متطرفة أصيلة” داخل المجتمع، لكي نخلق مع الوقت مجتمعاً منسجما يرفض التطرف ويعتبره خارج النسيج النرويجي المتجانس.
الالتزام في العروض الصحفية والإعلامية: تحويل التركيز من الاحتياجات الفردية إلى احتياجات القطاعات المختلفة في المجتمع.
التأكيد على دور للصحافة والإعلام لغرس القيم المجتمعية المرغوبة خاصة ثقافة العمل التي تحاول غرسها الدولة في الفرد والمجتمع، والقيم المستمدة من الدين: كالتسامح والعمل والاجتهاد وحب العلم واغاثة الملهوف والتضامن الاجتماعي..الخ
عدم استهداف أي مهنة وترسيخ أركان هذه الثقافة التي يجب ان يتلقفها الفرد من المدرسة، وأن العمل في أي حقل خدمي أو صناعي أو تجاري أو أي كان، شرف وفخر. من يحب وطنه يعمل بغض النظر عن ماهية العمل.
الاستخدام الواعي لمنصات التواصل الإجتماعي ومنصات الإعلاميين والتواصل والتواجد على منصاتهم بكثافة وبحوارات وبرامج لتحسين صورة النرويج.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى