قاطرة الكلمة

د.عبير بسيوني تكتب :أهمية تسجيل التراث الثقافي المصري كتراث عالمي مشترك للانسانية

الدكتورة عبير بسيوني&وزير مفوض بوزارة الخارجية

أولا: التعاريف الدولية المنظمة للتراث الثقافي الانساني

التراث هو الروح التي تنبعث من التاريخ، فتتجلى فيه عبقرية الأجداد التي نستلهم منها الحكمة والإلهام، فالتراث، هو تاريخ حضارة المجتمع، وهو روحه وذاكرته التي تمتد عبر الأجيال، مُحمَّل بالقصص والتقاليد والعادات التي تعكس هويته وثقافته. والتراث الثقافي هو تراث الأصول التراثية المادية وغير المادية لمجموعة أو مجتمع ورثتها من الأجيال الماضية. والتراث يتم اختياره فلا تعتبر كل إرث الأجيال الماضية “تراثًا”؛ بل إن التراث هو نتاج اختيار المجتمع، هو المسؤول عن نقله وحفظه. ولكن مع ذلك يلزم تنظيم وتطبيق معايير معينة للحفاظ على هذا التراث. ومن أجل هذا الغرض تأسست منظمات دولية مثل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) التي تعمل مع المنظمات العرقية والثقافية والتاريخية في المجتمعات المحلية للحفاظ على هذا التراث من خلال العديد من الأنشطة مثل ترميم المباني التاريخية أو تعليم اللغات أو إدارة ورشة عمل حرفية والمنظمة العالمية للملكية الفكرية (الوايبو) التى تسجل ابداعات الماضي وابتكارات الأجداد والتى يمكن احيائها وتطبيقها في الحاضر.

التراث الثقافي إذن يمثل العملية التاريخية التي شكلت حياة شعب ما؛ أي إنه كل ما ينطوي على نشاط بشري وينتقل من جيل إلى جيل. لذا يمكن اعتبار أن الأبنية العظيمة والآثار والأعمال الفنية، والنصوص والكتابات والآلات الموسيقية والملابس والأطباق والسفن والآثار الغارقة وغير من الأشياء هي تراث ثقافي مادي. هذا بالإضافة إلى العناصر الأخرى غير المادية مثل الفولكلور والتقاليد واللغة والمعرفة الشعبية وحتى الأساطير والخرافات. أما القائمة الشاملة فهي تشتمل على: الثقافات، والآثار، والعادات والتقاليد الاجتماعية، المعتقدات والطقوس الدينية، الاحتفالات الاجتماعية والدينية، معارف السكان الأصليين، الفنون والحرف والموسيقى، المعتقدات السياسية والأيديولوجية، التقاليد العلمية، اللغة، الرياضة، الطعام والشراب، التقاويم، اللباس التقليدي.

ينقسم التراث الثقافي بشكل عام إلى فئتين:

أولهما التراث الثقافي المادي، وثانيهما التراث الثقافي غير المادي التجريدي والموجود في العقلية الجماعية. يتجلى التراث المادي في أشكال ملموسة مثل المصنوعات اليدوية أو المباني أو المناظر الطبيعية والصناعية. أما التراث غير المادي فيظهر في رواية القصص والتقاليد والعادات وغيرها. ويرتبط التراث المادي ارتباطاً وثيقاً بالتراث غير المادي.

التراث الثقافي المادي: يشير هذا النوع من التراث إلى الأشياء المادية التي صنعت وحفظت ثم نقلت إلى الأجيال اللاحقة. وبعض الأمثلة الرمزية على ذلك هي أهرامات الجيزة، وتاج محل وماتشو بيتشو وسور الصين العظيم. هناك قائمة طويلة من التراث الثقافي المحفوظ في العالم، وهو نتاج الإبداع البشري وله أهمية ثقافية عالمية. وعلى الرغم من أن التفكير دائماً ينصب في المباني الكبيرة عند الحديث عن التراث الثقافي، فإن هذا المفهوم يشمل العديد من العناصر الأخرى:

المواقع التاريخية والأثرية: وتشمل على الكنائس والمقابر والكهوف والنقوش والتكاوين والبقايا الأثرية والمتاحف التي لها قيم متنوعة بما في ذلك الأهمية التاريخية والفنية والأنثروبولوجية والعلمية والاجتماعية.

المصنوعات بكافة أنواعها: مثل الكتب والوثائق أو المخطوطات والأشياء والصور واللوحات والرسومات والمنحوتات والعملات المعدنية، والأدوات والملابس والآلات الموسيقية القديمة.

التراث المغمور بالمياه: تشتمل على المدن المغمورة وأطلال الحضارات القديمة وحطام السفن وكل ما هو تحت الماء وله قيمة ثقافية أو تاريخية.

البيئة الطبيعية: تشير إلى المعالم الطبيعية التي تتكون من التشكيلات الفيزيائية او البيولوجية أو الجيولوجية او من تجمعات هذه التشكيلات والتي تتمتع بقيمة عالمية استثنائية من حيث الجمال أو الفن أو التاريخ أو العلم (مواطن الأنواع الحيوانية او النباتية المهددة بالانقراض) بما في ذلك المناظر الطبيعية الريفية والسواحل والتراث الزراعي والصناعي والنيازك.

المجمعات من المباني المنفردة او المتصلة، التي تتمتع بقيمة عالمية استثنائية بسبب عمارتها او تناسقها او تكاملها مع المنظر الطبيعي لأسباب تاريخية او فنية او علمية

التراث الثقافي غير المادي: تشير منظمة اليونسكو إلى أن التراث الثقافي غير المادي هو ثروة فكرية عظيمة. وتعرفه وفقا لاتفاقية اليونسكو للحفاظ على التراث غير الملموس 2003 بأنه “مجموع الممارسات والتصورات واشكال التعبير والمعارف والمهارات -وما يرتبط بها من الات وقطع ومصنوعات وأماكن ثقافية- التي تعدها الجماعات واحيانا الافراد، جزءا من تراثهم الثقافي” وتشتمل هذه الثروة على الفولكلور والعادات والخرافات والمعتقدات والتقاليد والمعرفة والتحيات، وتتضمن اللغة كأداة للتراث الثقافى غير الملموس،والموسيقى وفنون العزف، والعادات الاجتماعية سواء كانت أحداث تعبدية أو أعياد، كذا المعرفة والتعامل مع الطبيعة (الأصناف النباتية الجديدة)، بالإضافة إلى الحرف والمنتجات التقليدية.. ومن الأمثلة على ذلك يوم الموتى الذي يحتفل به في المكسيك حتى الآن. وكذلك موسيقى التانغو والرقص في الأرجنتين وأوروجواي، والفلامنكو من إسبانيا، وتقليد صنع الكيمتشي في كوريا.

التقاليد الشفوية والمعرفية: وتشتمل على الأدب (القصص والاساطير والأغاني التقليدية) والمعارف والمعتقدات والمعرفة العلمية والمعمارية والفلسفة والدين والطقوس وأنماط السلوك الاجتماعي التي تنتقل شفويا من جيل الي جيل.

الأماكن الرمزية للمدينة: مثل المعارض والأسواق والساحات وغيرها من الأماكن التي تتجلى فيها الممارسات الاجتماعية.

الثراث اللامادي الاجتماعي: ويشمل الطقوس والممارسات الاجتماعية والدينية والمهارات اليدوية التقليدية، الاحتفالات والمهرجانات: وتشتمل على الرقص والموسيقى والمسرح والمظاهر الفنية الأخرى.

التراث اللامادي الفكري: ويشمل اللغة والحروف والفلسفة والمعرفة العلمية التقليدية.

التراث اللامادي الروحي كالمعتقدات الشعبية: وتشتمل على الأساطير والأقوال والقصص الخاصة بمجتمع معين. المجتمع، والصلوات التقليدية

ثانيا: حماية التراث الثقافي في القانون المصري:

نص دستور مصر الحالى الصادر عام 2014 المعدل لدستور 2012 فى المادة 47 منه على أن”تلتزم الدولة بالحفاظ على الهوية الثقافية المصرية، بروافدها الحضارية المتنوعة”، كما نص في المادة رقم 50 منه على أن”تراث مصر الحضارى والثقافى، المادى والمعنوى، بجميع تنوعاته ومراحله الكبرى، المصرية القديمة، والقبطية، والإسلامية، ثروة قومية وإنسانية، تلتزم الدولة بالحفاظ عليه وصيانته، وكذا الرصيد الثقافي المعاصر المعمارى والأدبي والفني بمختلف تنوعاته، والاعتداء على أى من ذلك جريمة يعاقب عليها القانون. وتولى الدولة اهتماما خاصا بالحفاظ على مكونات التعددية الثقافية في مصر وأنشأت مصلحة الآثار للتراث المادي ولكنها لم تنشأ هيئة للتراث غير المادي.

كان للمُشرع المصرى السبق فى حماية التراث غير المادي، وهو ما يمكن ملاحظته فى المادة 30 من قانون حق المؤلف رقم 354 لعام 1954؛ التى نظمت حماية للفلكور الوطنى – وهو ما عرف فى المستقبل بقانون حماية حقوق الملكية الفكرية  رقم 82 لسنة 2002 -والتى تنص على أنه: “فى المصنفات التى تُنفذ بحركات مصحوبة بالموسيقى،وفى الاستعراضات المصحوبة بموسيقى وفى جميع المصنفات المشابهة يكون لمؤلف الشطر غير الموسيقى الحق فى الترخيص بالأداء العلنى للمصنف المشترك كله أو بتنفذه أو بعمل نسخ منه، ويكون لمؤلف الشطر الموسيقى، حق التصرف فى الموسيقى وحدها بشرط ألا يستعمل فى مصنف مشابه للمصنف المشترك ما لم يتفق على غير ذلك. القانون رقم 4 لسنة 1994 والمتعلق بحماية الملكية الأدبية والفنية والحقوق المجاورة، والذي يضمن حماية حقوق المبتكرين والملكية الفكرية. كما صدقت مصر في عام 2005 على اتفاقية اليونسكو لعام 2003 المعنية بصون التراث الثقافي غير المادي.

وأصدرت مصر عدة قوانين لحماية الآثار منذ عهد محمد على ويعد القانون رقم 14 لسنة 1912، أول قانون لحماية الآثار، ثم جاء بعده عدة قوانين كان آخرها القانون رقم 117 لسنة 1983 والمعدل بالقانون رقم 3 لعام 2010، الذى يعد أفضل القوانين التى صدرت للحفاظ على الاثار المصرية ومنع الاتجار فيها بالرغم مما يوجد به من عيوب وثغرات. وقانون رقم 14 لسنة 2008 بشأن الحفاظ على التراث العريق والتاريخي، والذي يهدف إلى حفظ وحماية التراث العريق والتاريخي وإعادة تأهيل المناطق الأثرية والمعالم التاريخية في مصر.

تم انشاء في جامعة المنصورة المركز الحضاري للتراث الشعبي بهدف التمسك بالخصوصيات الوطنية والمصالح القومية على المستوى الثقافي والاجتماعي، والعمل على تعميقها وتطويرها معرفيا وابداعيا. فمثلا الأغاني الشعبية التراثية تسجل الاحداث التاريخية والاحتفالات مثل الحج والأعياد والزواج ومناسبات المولد النبوي. ويمكن تطويره ليضم دراسة الحرف والصناعات الشعبية كضرورة لتحقيق التنمية الاقتصادية ومدى قابليتها للمعايشة مع ادوات العصر، والميكنة الحديثة والخامات المستحدثة، وفرص الإبقاء على هذه الحرف مثل صناعة الفخار والطوب والمراكب والسجاد.

أما الحفاظ على التراث المعمارى، فالتشريعات والقوانين تعتبر من أهم الآليات المؤثرة فى الحفاظ على التراث العمرانى، والارتقاء بمستوى البيئة العمرانية مع استمرارية الأهداف التنموية الأخرى أهمها : قانون حماية الآثار رقم (117) والقانون رقم (144) لسنة 2006 بشأن الحفاظ على التراث المعمارى، وقانون البناء المصرى رقم (119) لعام 2008م، والذى يحوى باب للتنسيق الحضارى، يستهدف تحديد الضوابط الخاصة بتنظيم أعمال التنمية العمرانية المستدامة من خلال الحفاظ على عناصر البيئة الطبيعية والمنشآت والمناطق التاريخية ذات القيمة. ويشمل هذا القانون «المناطق التي تتميز بثراء محتواها من التراث المعماري والمادي والرمزي والجمالي أو القيمة الطبيعية؛ تحتاج إلى عند التعامل معها اعتبارها وحدة متكاملة يجب الحفاظ عليها»

كما اصدرت مصر قانون حماية المناطق الطبيعية والمحميات الطبيعية رقم 102 لسنة 1983، والذي ينص على ضرورة الحفاظ على التنوع البيولوجي والبيئة الطبيعية الوطنية وقضايا الاستدامة وقد وصل عددها الي 30 محمية بما يشجع السياحة البيئية بأنواعها كالسياحة الصحراوية وسياحة الكهوف والسياحة الرياضية وسياحة المغامرات وسياحة تسلق الجبال وسياحة التخييم وسياحة المهرجانات (خاصة سباقات الهجن وأمثالها) وسياحة الفلك وسياحة مشاهدة الطيور وغيرها.

وقد صدقت مصر على عدة مواثيق ومعاهدات دولية خاصة بحماية التراث الثقافى، أهمها ميثاق  منظمة الأمـم المتحدة للتربية والعلـوم والثقافة “اليونسكو” لسنة ١٩٧٠ والخاص بوسائل منع العمليات غير الشرعية لتصدير وإستيراد ونقل التراث الثقافى ” ووقعت مصر عليه عام ١٩٧٢، كما صدقت مصر عام ٢٠١٧ على اتفاقية اليونسكو لعام 2001 المعنية بحماية التراث الثقافي المغمور بالمياه.

تبذل وزارة الآثار جهودا دولية لبناء جبهة من الدول ذات الحضارات مثل الصين وفيتنام وسوريا والعراق ولبنان ودول أمريكا اللاتينية لإجراء تعديلات  فى تلك المعاهدة، والتى تلزم الدولة لاستعادة أى قطعة أثرية ان تقدم المستندات الرسمية لتثبت ملكيتها له، حيث ان هناك الكثير من القطع الأثرية يتم تهريبها بعد استخراجها عن طريق الحفر خلسة وهى ليست موثقة فى السجلات، وللتغلب على تعقيدات الاتفاقية لجأت مصر إلى اتفاقات ثنائية مع بعض الدول لاسترداد الآثار، كما تسعى مصر للحصول على قرار من مجلس الأمن والامم المتحدة يحول دون الاتجار غير المشروع فى الاثار المصرية على غرار القرار الذى حصلت عليه العراق

قامت وزارة الاثار بعدة اجراءات لحماية التراث الأثرى من بينها توثيق القطع الأثرية ووضع بصمة لكل قطعة وتسجيلها، وإعداد قوائم دورية تسمى بالقوائم الحمراء تضم كافة الآثار المسروقة لتقديمها إلى منظمة التربية والثقافة والعلوم التابعة للأمم المتحدة (اليونسكو) والإنتربول، كما أنشئت إدارة خاصة للآثار المستردة عام ٢٠٠٢، وقامت هذه الادارة بجهود كبيرة لاستعادة الكثير من الآثار الموجودة فى الخارج بالتعاون مع وزارة الخارجية، كما تم انشاء ما يقرب من ٤٠ وحدة أثرية بمختلف المنافذ البرية والبحرية والجوية فى مصر تعمل على مدار ٢٤ ساعة للعمل على منع تهريب الاثار المصرية على ٣ محاور رئيسية، أولها محور دبلوماسى بالتعاون مع وزارة الخارجية، وثانيا بإبلاغ انتربول القاهرة والذى يقوم بدوره بإبلاغ الإنتربول الدولي، اذا ما عثرنا على إحدى القطع التى نشك بأنها خرجت من البلاد بطريق غير مشروع، والمحور الثالث جنائى داخلى بالتعاون مع مباحث الآثار. كما تقوم بالمتابعة المستمرة لكافة صالات المزادات والمواقع الإلكترونية التى تبيع الآثار، وتتواصل مع الوحدات الأثرية بكافة المنافذ المصرية حتى أصبح من السهل إثبات حدوث سرقات للقطع المهربة التى تحمل رقم سجل حيث انها موثقة ضمن سجلات المتاحف والمخازن والمواقع الأثرية، أما بالنسبة للآثار التى لم تسجل والتى تم تهريبها بعد استخراجها بطريق الحفر خلسة، فيصعب إثبات سرقتها لإنها ليست موثقة بالسجلات، وبالتالى يصعب استعادتها.

ثالثا: أهمية تسجيل تراثنا للتراث العالمي: 

لا يوجد حدود ثقافية بين المجتمعات (التراث غير المادي). ويساهم هذا الأمر في احترام وفهم التنوع الثقافي على مستوى العالم. حيث نجد العديد من الفنانين والعلماء الذين ينتمون إلى ثقافات مختلفة، تأثروا وما زالوا يتأثرون بالتراث الثقافي لمجتمع معين هم بعيدين كل البعد عنه. ويمكن رؤية مثال على عالمية التراث الثقافي في اللوحات والمعمار. كما أن مواقع التراث العالمي (التراث الثقافي المادي)، كل واحدة لها خصائص تميزها وفقاً للمكان والمجتمع الذي توجد فيه، ولكن أوجه التشابه الثقافي هي التي تجعلهم إرثاً قيماً يستحق الحفاظ عليه لصالح العالم بأسره طالما اتسمت بخصائص التراث الثقافي:

الطابع الاجتماعي: ينبغي أن يكون للتراث الثقافي طابع اجتماعي لمجتمع معين.

القيمة التاريخية: له قيمة تراثية تاريخية، وهذه القيمة تجمع بين المعرفة والتقنيات التي تنتقل عبر الأجيال الاجتماعية.

القابلية للتكيف: وهي قابلية هذا التراث للتكيف مع التغييرات والتطورات الثقافية للمجتمع. على سبيل المثال يمكن إحياء بعض الطقوس بأفكار جديدة.

الطابع التعليمي: الغرض الأساسي من التراث الثقافي هو التدريس والتثقيف حول ماضي المجتمع.

الهوية الثقافية: إنه عنصر تكاملي لأي مجتمع، لأنه ينتقل بين الأجيال ويقوم على النشاط الاجتماعي لكل مجتمع.

يتطلب الحفظ: يمكن أن يختفي إذا لم يتم الحفاظ على قيمته وأهميته التاريخية والثقافية بحيث يستمر مع مرور الوقت، سواء كان نصباً أو تقليداً.

ونظرا للاقبال على تسجيل التراث، لا تسمح اتفاقيات اليونسكو إلا بتسجيل عنصر فردي وطني واحد للتراث الثقافي كل عامين.

وقد تعرضت أغلب المناطق والمنشآت التراثية الواقعة فى إطار الرقعة العمرانية للمدن العربية للعديد من المشاكل على مر العصور، فبعضها لم يستطع مقاومة عوامل التعرية، وبعضها هُدِم لإعادة استخدام موقعها أو لإعادة استخدام أحجارها، كما أن العديد من المنشآت جرت فيها أعمال متعددة من التجديد والتعديل والإضافة والهدم فى عصور مختلفة، كما تسببت التنمية العمرانية غير المنظمة فى اندثار أغلب هذه المناطق والمنشآت، فضلاً عن ارتفاع منسوب المياه الجوفية والإهمال والتعديات المستمرة حتى الآن. ومن جهة أخرى فأن هذه المنشآت والمناطق التراثية تُعد إرثاً قومياً وإنسانياً لا يمكن التفريط فيه، والحفاظ عليها يعتبر إحدى ركائز التنمية العمرانية المستدامة. 

تمتلك مصر ٧ مواقع أثرية مدرجة على قائمة التراث العالمى منذ عام ١٩٧٩م، وتلعب وزارة السياحة والآثار دورًا رئيسيًا فى تنشيط السياحة الثقافية والأثرية، وهى من أهم وأقدم أنواع السياحة فى مصر، وقد نشأت السياحة الثقافية منذ اكتشاف الآثار المصرية القديمة، وفك رموز الحروف الهيروغليفية من خلال بعثات الآثار والسياح ومؤلفى الكتب السياحية والتاريخية والتأريخية وزيارة واكتشاف المزيد من الآثار المصرية القديمة ومع ذلك لم يتم ادراج اي مواقع او مدن جديدة لمصر وال7 مواقع هي:-آثار النوبة من أبوسمبل حتى فيلة (اسوان)- طيبة القديمة ومقابرها (الاقصر)- منف وجبانتها (أبورواش وهضبة الجيزة (موقع أهرامات الجيزة الثلاثة المشهورة عالميًا) وزاوية العريان وأبوغراب وأبوصير وسقارة وميت رهينة ودهشور- القاهرة التاريخية- قبر أبومينا في الاسكندرية- دير سانت كاترين والمنطقة المحيطة بها على سفح جبل سيناء («دير الله المقدس لجبل سيناء»و10كنائس وأهمها “الكنيسة المحترقة”، وأماكن إقامة الرهبان، وقاعة طعام، ومكبس زيتون، وصناديق عظام الموتى، ومسجد فاطمى من القرن الثانى عشر الميلادى، ومكتبة تضم كتبًا نادرة و٦٠٠٠ مخطوطة)- وادى الحيتان فى صحراء مصر الغربية (الفيوم)

وبخلاف المواقع المسجلة تسعى مصر لتسجيل المزيد من المواقع، ووافقت لجنة التراث العالمي بمنظمة اليونسكو على 32 موقع مسجلين على القائمة المؤقتة لمواقع التراث العالمي المصرية، أهمها: مدينة الإسكندرية القديمة والمعابد البطلمية وقلعتي فرعون والجندي بسيناء»، وذلك لرفعها على «قائمة التراث العالمي» باليونيسكو. كما تتعدد الجهود لتسجيل مواقع واقامة متاحف التراث الطبيعي والمائي والصناعي والبيئي وآخرها متحف التراث الطبيعي لمحمية جبل كامل.

  3. تم تخصيص يومين للاحتفاء بالتراث هما: يوم التراث العالمي 18 أبريل وهو يوم حدده المجلس الدولي للمباني والمواقع الأثرية الـ (ICOMOS) للاحتفاء به كل عام ويتم برعاية منظمة اليونسكو من أجل اليوم العالمي لحماية التراث الإنساني، حسب الاتفاقية التي أقرها المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة في باريس في عام 1972. واليوم العالمي للتراث السمعي والبصري، ويوافق 27  أكتوبر من كل عام. اختير هذا اليوم التذكاري من قبل اليونسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة) في عام 2005 لزيادة الوعي بأهمية ومخاطر ضياع الوثائق الصوتية والسمعية البصرية المسجلة (الأفلام والتسجيلات الصوتية والمرئية والبرامج الإذاعية والتلفزيونية.

رابعا: التراث المصري المسجل الي الآن كتراث عالمي:

يتم تسجيل التراث بخطة زمنيه وطنية يليه مساعدات من المنظمات الدولية، فدخول عناصر تراثية في قائمة اليونسكو يعمل بشكل مباشر على توسعة عناصر الجذب لمصر وفرص التميز في صناعة السياحة، بل وفتح مجالات لدراسات تاريخية وأثرية وحضارية جديدة وفرص عمل وابتكارات جديدة.

وعلى مستوى افريقيا مصر سجلت فقط 7 اشياء (وهي في المركز الرابع بعد المغرب التي سجلت 12 أي الضعف- وبعد الجزائر ومالي) .

عدد العناصر التراثية -غير المادية- المصرية المسجلة في قوائم اليونسكو 10 عناصر، مما يعكس تنوع وغنى التراث المصري وأهميته على المستوى العالمي وهي :

1-السيرة الهلالية: تمّ تسجيل السيرة الهلالية في عام 2008، إلى قائمة التراث غير المادى في اليونسكو.

2-التحطيب  (اللعب بالعصي): وهو فن من الفنون القتالية المصرية المستلهمة من الحياة المصرية القديمة يُستخدم فيه العصى الخشبية للمبارزة، وجاء تسجيله بقائمة اليونسكو في عام 2016.

3-الممارسات المرتبطة بالنخلة: تم إدراج ملف «النخلة» بقائمة التراث غير المادي بمنظمة اليونسكو في 2020.

4- فنون الخط العربي: بجهود مصر وبالتعاون مع الدول العربية؛ السعودية ولبنان والأردن وتونس، تم تسجيل الخط العربي، على قوائم الصون العاجل للتراث الثقافي غير المادي في 2021.

5- النسيج اليدوي في صعيد مصر: تمّ تسجيل النسيج اليدوي بالصعيد على قائمة اليونسكو في 2020.

6- الأراجوز: سجلت وزارة الثقافة ملف فن «الأراجوز»، بقائمة الصون التراث غير المادى، باليونسكو في 2018.

7-الاحتفالات المرتبطة برحلة العائلة المقدسة: وتم تسجيله بصون التراث الثقافي غير المادي في اليونسكو عام 2022.

8-الفنون والمهارات المرتبطة بالنقش على المعادن.. النحاس والفضة والذهب»: نجحت مصر من خلال وزارة الثقافة  بالتعاون مع 10 من الدول عربية أخرى، هي: «مصر والسعودية والجزائر والمغرب والعراق و فلسطين والسودان والسعودية وتونس واليمن وموريتانيا»، في تسجيله على قائمة التراث غير المادي في 2023

9- “آلة السمسمية: العزف عليها وتصنيعها”، نجحت مصر مع السعودية في تسجيلها في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي بمنظمة اليونسكو 2024.

10- تسجيل عنصر “الحناء: الطقوس، الممارسات الجمالية والاجتماعية” ضمن قوائم التراث الثقافي غير المادي لليونسكو 2024 كنتاج جهد مشترك بين 16 دولة عربية، وهي: مصر، الإمارات العربية المتحدة، العراق، السودان، المملكة العربية السعودية، الأردن، الكويت، فلسطين، تونس، الجزائر، البحرين، المغرب، موريتانيا، سلطنة عمان، اليمن، وقطر، حيث سلط الملف الضوء على أهمية الحناء كعنصر ثقافي يعكس الروح التقليدية في المجتمعات المشاركة، وما تحمله من رمزية للفرح والتقاليد المرتبطة بالمناسبات الاحتفاليةن ويأتي هذا في إطار التزام الدول العربية بصون التراث الثقافي المشترك وتعزيز هويتها الثقافية على الساحة العالمية.

وجاري العمل عام 2025 على تسجيل ملفين هما: الكشري والشعر النبطي والمراكب الشراعية.

خامسًا: نماذج لحالات قابلة للتسجيل كتراث ثقافي مصري غير مادي تحمل إمكانيات كبيرة لتحسين الحياة العصرية مع الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية للأجداد.

1-فانوس رمضان وكعك العيد ميراث تاريخي وتراث شعبي مصري وأحد المظاهر الشّعبيّة الأصلية في مصر. فالحلويات بالاعياد تقليد فرعوني منقوش على الجدران. وقانون رمضان  واحد من الفنون الفلكلورية الّتي نالت اهتمام الفنّانين والدّارسين حتّى أن البعض قام بدراسة أكاديميّة لظهوره وتطوره وارتباطه بشهر الصّوم ثمّ تحويله إلى قطعة جميلة من الدّيكور العربي في الكثير من البيوت المصريّة الحديثة. انتقلت فكرة الفانوس المصري إلى أغلب الدول العربية وأصبح جزء من تقاليد شهر رمضان في دمشق وحلب والقدس وغزة وغيرها

2-تسجيل التقويم القبطي (قبط تعني مصر باللغة المصرية القديمة) ودوره ليس فقط بالزراعة والمناخ والاعياد الدينية والحساب وأنما أيضا في العقل الجمعي للمصريين حتى الآن ومن ذلك الأمثال والحكم المصرية المرتبطة بالتقويم المصري القديم مرتبط بالأمثال المصرية ومنها: بابه ادخل واقفل البوابة -طوبة تخلي الصبية كركوبة- برمهات روح الغيط وهات.

3-تسجيل صبغة اللون الازرق كاختراع مصري قديم- فالأزرق المصري، “سيليكات النحاس والكالسيوم”، هو أحد أوائل الأصباغ الاصطناعية التي استخدمها الإنسان، ويتميز عن غيره من الصبغات حيث يستخدم اليوم في حل ألغاز الجريمة والبحث العلمي بسبب خواصه الكيميائية الفريدة. ومن بين تلك أنه ليس مجرد لون صبغة عادية، فله خواص كيميائية متعددة يولد الطاقة ويبني مستقبلًا صديقًا للبيئة حيث يتميز بفلورية(بمعدل 10 أضعاف المعتاد)، ويعكس أشعة الشمس، ما يساعد على خفض درجات الحرارة في المباني من خلال طلاء الأسطح والجدران بها. وللصبغة خصائص تمكنها من توليد الكهرباء عبر النوافذ المطلية بها، مما يقلل إستهلاك الطاقة ويُعزز من دورها كحل مستدام للطاقة في المباني الحديثة.

4- أسرار الأحبار المصرية المستخدمة في البرديات: إن تحاليل الأحبار الموجودة على أجزاء البردي كشفت عن تركيبات لم تكن معروفة من قبل للأحبار الحمراء والسوداء، وخاصة المركبات القائمة على الحديد والرصاص، مما يشير إلى أنه تمت إضافة هذه المركبات لأغراض فنية وللتجفيف، ومفيدة لأغراض حفظ الوثائق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى