أحمد بدوي يكتب : بناء الإنسان في ذكري خير الأنام
أحمد بدوي & المسؤول الإعلامي لجامعة أسوان والمستشار الإعلامي لحزب تحيا مصر
يحتفل العالم العربي والإسلامي في هذه الأيام بالذكري العطرة بمولد نبي الهدي والسماحة واليسر رسول الله وذلك مع قدوم شهر ربيع الأول يحتفل العالم بمولد نبي الرحمة كما قال الله تعالى ( وما ارسلناك إلا رحمة للعالمين) منقذاً للبشرية من عتمة الكفر والعذاب إلى نور الإسلام ونفحاته الربانية.
ولكن إذا أردنا أن نعيش مع جانب من جوانب حياة النبي صلي الله عليه وسلم فهو أول من دعي الي بناء الإنسان والي الإصلاح الحقيقي الذي يعود بالنفع على الإنسانية بأسرها في مختلف جوانب الحياة.
فمن حيث العقيدة فقد طهر مكة المكرمة التي كانت معقل الكفر وعبادة الأوثان والاصنام الي عبادة الواحد الأحد رغم ما لاقي من تعذيب وضرر واذي من اقرب الناس إليه وهم أهل الكفر والعصيان من أهل قريش مثل عمه ابوجهل وغيرهم ولكن في نفس الوقت جعل الله جنودا يدافعون عنه، ووقفوا بجواره مثل عمه ابوطالب وزوجته خديجة ولذلك عندما فقدهم حزن عليهم النبي حزنا شديدا حتي سمي هذا العام بعام الحزن .
أما من الجوانب الإنسانية فكان يتم النبي صلى الله عليه وسلم هو إعلام ورسالة أن هذا الرسول هو من سينصف الايتام ويحرر العبيد وينصر الضعفاء والمساكين والفقراء والمحتاجين حتي يكونوا جلساء وأحياء خير مخلوق دون تكبر أو تعالي حتي ينشر مبدأ المساواة بين البشر جمعيا دون تميز أو تفريق بين مختلف بني البشر حتي جعل من العبيد سادة ووزراء وقادة.
ومن أروع الأمثلة سيدنا بلال بن رباح الذي أعتز بالإسلام وصبر وتحمل الاذي حتي وهو في ضعفه الجسدي والنفسي والاجتماعي ،ولكنه كان قويا بإسلامه ونال أرفع الدراجات في الدنيا فأصبح مؤذنا لخير البشرية محمد صلى الله عليه وسلم ،فولد يتيما في يوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول، وجاءت البشرى لآمنة بنت وهب برؤية طفلها الجميل الذي لم تكن تعلم أنه خاتم المرسلين، وكان قد توفى والده قبل مولده بثلاثة شهور وهو في عالم الأجنة، وولد ساجد لله وأرضعته حليمة السعدية، وأصبحت أمه بالرضاعة، وابنتها شيماء أخته من الرضاعة.
ثم توفيت امة وهو في سن السادسة من عمره عندما ذهبت أمه وام أيمن الجارية لزيارة قبر أبيه وعند العودة أصابها ألم شديد وضمته الي صدرها وقالت له يا محمد كن رجلاً وهذا أول درس في بناء الإنسان وماتت أمه ودفت عند قرية تسمي بقرية الايواء، وعادت الجارية الي مكة ثم رباه جده عبدالمطلب وأخذ يرعاه حتي وصل الي سن الثامنة من عمره ثم تولاه عمه ابوطالب بعد وفاة جدة عبد المطلب .ومن دورس بناء الإنسان الوفاء فقال النبي وهو طفل ذاق مرارة اليتم فقال لأم أيمن أنتي امي بعد أمي بل علمنا الوفاء عندما ذهب إلي قبر أمه فاحياها الله له فامنت به ونطقت بالشهادتين ثم اماتها الله مرة اخري في قبرها.
بل كانت طفولة النبي محمد صلى الله عليه وسلم عبرة للبشرية جمعاء، فقد ولد يتيما حتي لا يقول أبي إنما يقول ربي ،وكانت أخلاقه حميدة طيبة منذ الصغر حتي لقب بالصادق الأمين قبل بعثته بين أهل الشرك والكفر بل كان مختلفًا عن الأطفال فلم يسجد لصنم قط، وحينما وصل لسن الأربعين حمل رسالة الإسلام بقوة وعزيمة حتي أضاءت دعوته نور الإيمان بين البشرية وانقذها من جاهلية العبودية والكفر، فإن ذكري المولد النبوي الشريف مليء بالعبر والعظات والدروس المستفادة، حيث ولد في نفس العام الذي أهلك الله فيه أبرهة الحبشي وجيشه الذين أرادوا هدم الكعبة، وسمي هذا العام بـ”عام الفيل”.
وقد عمت الفرحة الدنيا بمولد نبي الرحمة فكان أعظم حدث تاريخي غير حال البشرية بل كان مولده علامة فارقة في تاريخ الخليقة كلها، كما يحتفل المسلمون بمولد النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليه واستذكار صفاته واتباع أخلاقه الحسنة وتعاليمه القويمة وسنته المطهرة.
وقد أبدع الشعراء في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أحمد شوقي:
ولد الهدى فالكائنات ضياء.. وفم الزمان تبسم وثناء
الروح وَالملأ الملائك حوله.. للديـن والـدنـيـا به بشراء
وقال حسان بن ثابت:
وَأَحسَنُ مِنكَ لَم تَرَ قَطُّ عَيني.. وَأَجمَلُ مِنكَ لَم تَلِدِ النِساءُ
خُلِقتَ مبرأ مِن كُلِّ عَيبٍ.. كَأَنَّكَ قَد خُلِقتَ كَما تَشاءُ
ولا ينسى المسلمون الدعاء بنيل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم عند الله لدخول الجنة ومغفرة الذنوب والعتق من النيران، وهو النبي الذي قال “أمتي أمتي” شفقة علينا من عذاب الله. وتعد حلوى المولد من مظاهر الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم تبعث البهجة في نفوس الأطفال.
حلوى المولد
ويتبادل المسلمون في ذكرى المولد النبوي حلوى المولد وهي من العادات الطيبة التي تنتشر حول العالم احتفالا بمولد النبي صلى الله عليه وسلم وخاصة للأطفال وجعلهم يعظمون هذه الذكرى الطيبة كما يسعد بها الكبار أيضًا، وهي عادة بدءها الفاطميون تدخل السرور على الأطفال بما لذ وطاب من مكسرات وحلوى متنوعة، ومن مظاهر الاحتفال إقامة ليالي المديح والذكر في مختلف ربوع العالم العربي والإسلامي.
ومع مرور الأيام تبقي ذكري المولد النبوي الشريف وهي نقطة البداية الحقيقية لبناء الإنسان .