«الإجبار على الرحيل» قصة قصيرة لـ مارينا نبيل
أنا نور.. قررت اليوم الاحتفال بذكرى ميلادي الثلاثين معكم، فمنذ عمر الثالثة والعشرين أحتفل بذلك اليوم بمفردي، بل أكره الاحتفال به، فأنا متعبة بتلك الحياة.. أشعر وكأن لا يوجد مكان في كل العالم يسعني. توفت والدتي وأنا في عمر الخامسة عشر، كنت أعيش مع والدي وأخي الذي يصغراني بخمس سنوات حتى أصابتنا لعنة المخدرات، كنت أبلغ من العمر التاسعة عشر عندما علمت بتعاطي أبي المواد المخدرة بشكل يومي، وأيضا إقباله على إدمان الكحوليات، مما أدى إلى غيابه الدائم عن وعيه، لا أذكر أنني استطعت منذ ذلك الوقت أن أتحدث معه كأي ابنة مع أبيها، وكأنت أمي رحلت وهو معها، حاولت التقرب من أخي الصغير حتى لا يشعر بكمّ التفكك الذي أوصلنا إليه أبي، إلى أن حدثت الفاجعة التي لم أتوقعها يوما..!!
في فجر يوم ما عاد أبي إلى المنزل، كنت قد استغرقت في نومي حتى استيقظت فزعا عندما شعرت بلمساته الغريبة على جسدي وأنفاسه الساخنة المتقطعة التي أصابتني بالاشمئزاز، فصرخت صرخة حاول كتمها بيده ثم انهال بالضرب على وجهي وجسدي حتى أخضع لرغبته في مضاجعتي، حاولت صده وإبعاده ولكن انهارت قواي ولم أستطع إيقافه وانتهى كل شي بالاستسلام… كان يعاملني بعنف شديد، كانت يداه كالسكاكين تقطع ما تلامسه من جسدي، وأنفاسه كلهيب النار التي تحرقني.
أصبحت أمامه كالعاهرة، وأصبح أمامي كالذئب
كنت أرى وجهه كالوحش المرعب فانكسرت صورة أبي، لم يستطع أبي بعد ذلك النظر إلى عيني بنظرات الأبوة ولكن كانت لنظراته شكل آخر فكأنه يشتهيني دائما، كنت أشعر بالقهر والاشمئزاز عند النظر له، فقد انكسر قلبي، وماتت داخلي مشاعر الحب والبنوة التي كنت أحملها له، كما ماتت داخله مشاعر الأبوة أيضا، فقد كسر أبي حرمانية علاقتنا، أصبحت أمامه كالعاهرة، وأصبح أمامي كالذئب. أفقدني أبي مصدر أماني وثقتي الوحيدة، كما أفقدني عذريتى أيضًا، أصبحت منذ ذلك الوقت عارية الظهر، شريدة، في ذلك العالم المخيف، ظل ذلك الوحش يضاجعني بشكل مستمر تحت ضغط الضرب المبرح حتى أصبحت كالدمية، لم أشعر بما يفعل بجسدي من ضرب أو اعتداء.
مرت الأيام لم أستطع التحدث مع أحد فيما يحدث لي، حاولت الابتعاد عنه بقدر المستطاع ولكن مرت علينا أيام لم أستطع صده بها، حاولت استكمال دراستي بكلية التجارة، حتى أستطع الهروب من ذلك المستنقع، وفي الجامعه التقيت بمراد، كان يكبرني بعامين.. أحببته كثيرًا وشعرت أنه عوض الله عن كل ما حدث لي، كان مصدر أماني وحمایتی، كنت أود دائمًا أن أصارحه بما حدث لي، ولكن امتلكني الخوف من فقد أهم شخص بحياتي الآن، كان دائما يتساءل: لم أشعر أنك تحملين حملا على عاتقك؟!
لم أستطع أن أجيبه، ولكن نظرتي له كانت مكسورة فكان يضمني لصدره ويربت على رأسي بهدوء حتى يشعرني بالأمان الذي شعر أنني أفتقده غالبًا، لم أستطع البكاء يوما منذ ما حدث لي، مرت الأيام وكان مراد إلى جانبي دومًا، أشعر في وجوده باطمئنان، وأشعر بالأمان بين أحضانه كانت يداه تربت على رأسي بحنان لم أستطع تخيل فكرة فقدي لمراد، كنت أشعر برعب عند التفكير في ذلك.
ذات يوم رجعت إلى منزلي لأجد مراد يجلس أمام أبي يطلب الزواج مني كنت في غاية السعادة، أخيرًا سوف أهرب إلى أحضان مراد، لكن أصابتني نظرات أبي الخبيثة بالخوف المميت.. فماذا سيفعل ؟
الغريب موافقته على طلب مراد ومباركته أيضا.. ولكن لم أستطع تصديقه، كأن هناك شيئًا يُرتب له وأنا لا أعلمه، تمت خطبتنا وحضرت فيها عائلة مراد وعائلتي فقط بعد انتهاء مراسم الخطبة، كان يدور في رأسي فقط شيئا واحد كيف سيقبلني مراد إذا علم بكل ذلك؟ هل سيسامحني؟ هل أملك أنا قوة مصارحته بكل ذلك؟
ثم حاول ذلك الرجل أن يلمسني في تلك الليلة ولكني لم أستسلم له، فتلك الليلة كانت مميزة بالنسبة لي إلى أن هددني بمن لا أستطع التنفس بدونه، كان يتوعدني بأنه سيخبر مراد بكل شيء، ترجيته.. لا بل تذللت له حتى يرحم ضعفي ويتركني أعيش مع مراد وكفى ما حدث ولكنه لم يقبل، فهاتف مراد وعند سماعي لصوت مراد قبلت رجليه وأومأت برأسي بالإيجاب فابتسم بخبث، وقال لمراد أنه هاتفه ليوصيه على ابنته الوحيدة، استسلمت بين يديه ليفعل بي ما يشاء، تكررت محاولات ابتزازه مرارًا وتكرارًا، فهربت وتركت لمراد خطابا اعتذرت فيه عن هروبي وشرحت له ما حدث من أبي وأنني لم أستطع إيقافه ولم أستطع أيضًا أن أكمل في تلك اللعبة الرخيصة، وطلبت مسامحته على كل ذلك، أعلمته أنني أحببته بشدة ولكن هو لا يستحق أن يلحق به أذى ذلك المجنون، وأكون أنا وسيلة لذلك الأذى، أعلمته أنني سأظل وحيدة بتلك الحياة من دونه وأنني سأحاول أن أتنفس فهو كان كل شيء لي، في حضنه دفء أمي وحنانها وإلى جانبه أمان أبي الذي تمنيته وراحتي التي افتقدها كان مراد سندي وعكازي، أخبرته أنني سأحاول! لا أموت.
الآن لا أحد يعلم طريقي أو أين أعيش، ولا أحد من حولي يعلم حقيقة قصتي، وعلمت أن مراد تزوج لكني لم أحاول التواصل معه أبدًا.. فأنا لا أريد أن أتسبب له في ألم، لا أعلم شيئا عن أبي ولكن حاولت الاهتمام بأخي من الحياة بعيد. ليست عادلة، وهناك أشخاص لم تستطع محوهم من حياتك مهما فعلوا كنت أود فصل اسمي عن اسمه ولكني، لم أستطع، ما أعيش عليه الآن هو ذكرى مراد، الرجل الذي لم أستطع نسيانه، أما باب الحب فأغلقته للأبد. مؤلمة تلك الضربة التي تأتي من الأقرب لروحك.. وقاسية تلك الطعنة التي تنهي ما بداخلك.. ومميتة تلك الحياة حين تدور على ضعفك فتصبح هشا يسهل كسرك.
فريدة: انتهت قصتنا، وحقيقي مش هقدر أقولك حاجة غير إنك قوية لأنك لسا قادرة تقفي وسط كل المهزلة دي. نصيحتي ليكِ افتحي قلبك إنتِ مش وحشة ومش مذنبة، ولسا في ناس بتقدّر وبتقبل وبتحتوي، كنتم مع فريدة الديب فس برنامجكم (قصص من الواقع.. وهسيبكم مع كارمن سليمان سطور) حكايتي إلى اللقاء.