د. محمود أحمد فراج يكتب: تأثير استثمار مصر في إنتاج الثوريوم على التنمية المستدامة: فرص وتحديات
تأثير استثمار مصر في إنتاج الثوريوم على التنمية المستدامة: فرص وتحديات
مقدمة: في خضم سباق عالمي محتدم على الموارد الطبيعية، يبرز معدن الثوريوم كإحدى الثروات المستقبلية التي يُتوقع لها أن تُحدِث تحولاً في معادلات الطاقة والتكنولوجيا والاقتصاد والأمن القومي.
تتصدر مصر قائمة الدول التي تمتلك احتياطيات كبيرة من هذا المعدن، لا سيما عبر الرمال السوداء المنتشرة على سواحلها الشمالية.
يثير هذا الواقع تساؤلات حول كيفية استغلال هذه الثروة لتحقيق التنمية المستدامة، التي تُعرف بأنها عملية تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية مع حماية البيئة.
تُعد حماية البيئة أحد أهم معايير تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مختلف الدول.
يسعى هذا المقال إلى تحليل الأبعاد المختلفة لاستثمار مصر في الثوريوم وتأثيره المحتمل على ركائز التنمية المستدامة.
الثوريوم في مصر: ثروة كامنة وإمكانات طاقوية: يتواجد الثوريوم بكثافة في الرمال السوداء المصرية، إلى جانب معادن أخرى مثل الزركون والمونازيت والإلمنيت والروتيل، والتي تدخل جميعها في صناعات استراتيجية كصناعة الطيران والصواريخ والسيارات والإلكترونيات.
لم تُستغل هذه الثروة لعقود طويلة بسبب غياب التخطيط والتمويل، ولكن الأمور بدأت تتغير مع صدور قانون الثروة المعدنية الجديد، الذي منح الدولة الأدوات القانونية والتشريعية لبدء استغلال هذه الموارد بشكل منظم، مما يعزز القيمة المضافة للاقتصاد الوطني.
يُشير أسامة فاروق، الرئيس السابق لهيئة الثروة المعدنية، إلى أن احتياطي الثوريوم في مصر “كافٍ لتشغيل المفاعلات المستقبلية بكفاءة أعلى من اليورانيوم”.
هذا يضع مصر في موقع استراتيجي يمكنها من تنويع مزيج الكهرباء وضمان أمن الإمدادات من مصادر غير تقليدية، والمساهمة في التحول نحو اقتصاد منخفض الكربون.
كما أن استغلال الرمال السوداء يتضمن تطهير الشواطئ من المواد المشعة الضارة بالبيئة.
الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية للتنمية المستدامة: استغلال الثوريوم يمثل فرصة حقيقية للنهوض الصناعي والطاقوي.
يمكن أن يسهم ذلك في توفير فرص عمل جديدة وجذب استثمارات مباشرة، خاصة مع وجود بنية تحتية قوية تعمل مصر على تطويرها باستمرار.
كما أن إعداد وتجهيز المعادن الاقتصادية من الرمال السوداء وعمل القيمة المضافة لها، يهدف إلى استخدامها في الصناعات المحلية وبيع الفائض للسوق الخارجي، مما يحقق عوائد اقتصادية ضخمة.تُعد هذه الخطوات جزءًا من استراتيجية مصر للاستفادة من “الثروة المنسية” في إطار رؤية وطنية واضحة للتعدين، تتوافق مع رؤية مصر 2030 لتحقيق التنمية المستدامة.
التحديات البيئية والتقنية والقانونية: على الرغم من الإمكانات الواعدة، يواجه استغلال الثوريوم تحديات كبيرة تؤثر على تحقيق التنمية المستدامة:
1. التكلفة والبنية التحتية: لا تزال تكلفة استخراج ومعالجة الثوريوم مرتفعة، كما أن مشاريع تطوير المفاعلات التي تستخدمه لا تزال في طور التجريب عالميًا.
تتطلب المشاريع النووية التزامات طويلة الأجل فيما يتعلق بالبنى التحتية، بما في ذلك شبكات كهرباء قادرة على استيعاب الكهرباء المولدة وتوزيعها بكفاءة.
2. التلوث النووي والنفايات المشعة: يُعرَّف التلوث النووي بأنه التلوث الناتج عن الاستخدامات النووية أو تداول النفايات الناتجة عن ذلك، وما قد يتسرب من إشعاعات مؤينة تضر بالبيئة والصحة العامة.
يُعد الثوريوم واليورانيوم من العناصر المشعة التي تُستخدم في المفاعلات النووية لإنتاج الطاقة. القانون المصري لحماية البيئة رقم 4 لسنة 1994، وقانون رقم 7 لسنة 2010، يعتبران المواد المشعة من المواد الخطرة والملوثة للبيئة.
o خطورة النفايات: النفايات الخطرة هي مخلفات الأنشطة والعمليات المختلفة التي تحتفظ بخواص المواد الخطرة وليس لها استخدامات لاحقة.
تشمل النفايات النووية الناتجة عن توليد الكهرباء من المحطات النووية والاستخدامات الصناعية والطبية.
o التأثيرات البيئية والصحية: التلوث الذري يؤثر على صحة الإنسان والموارد الطبيعية، وينتج عنه العديد من الآثار السلبية.
قد لا تظهر آثاره فور وقوعه، بل بعد وقت طويل.
التشريعات والقوانين الوطنية والدولية، مثل اتفاقيات جنيف واستكهولم والبحر الأبيض المتوسط والأمم المتحدة لقانون البحار، تُلزم الدول باتخاذ إجراءات لمنع تلوث البحار بالنفايات المشعة وتحديد المسؤولية عن الأضرار.
o المسؤولية والتعويض: يقر القانون النووي مبدأ “التنمية المستدامة والملوث يدفع”.
تنص التشريعات على مسؤولية القائم بالتشغيل عن الأضرار النووية، مع إلزام الدولة بالتعويض الاحتياطي في حال عجز المشغل.
3. الكفاءات والتعاون الدولي: تحتاج مصر إلى تدريب الكوادر المحلية وتطوير الكفاءات الفنية، وتطوير الإطار التشريعي والتنظيمي لضمان الأمان النووي والتعامل الآمن مع النفايات المشعة.
كما يتطلب الأمر تعزيز التعاون الإقليمي في مجال البحث والتطوير وتوطين التكنولوجيا وبناء مراكز بحثية متخصصة في الطاقة النووية.
التوجهات المستقبلية: على الرغم من أن تكلفة استخراج ومعالجة الثوريوم وتطوير مفاعلاته لا تزال مرتفعة، ومع أن تطوير هذه المفاعلات لا يزال في طور التجريب عالميًا، إلا أن مصر تُعد ورقة استراتيجية حساسة.
يُطرح خيار تصدير خام الثوريوم حالياً كحل مؤقت، إلى حين توافر البنية التحتية النووية اللازمة أو انخفاض تكاليف الإنشاء والتشغيل.
هذا الخيار واقعي بالنظر إلى الطلب العالمي المتزايد، خاصة من دول مثل الصين والهند.
الخاتمة: إن استثمار مصر في إنتاج الثوريوم يحمل في طياته إمكانات هائلة لتحقيق التنمية المستدامة، من خلال تعزيز الاقتصاد الوطني، وتنويع مصادر الطاقة، والمساهمة في أمن الطاقة.
ومع ذلك، فإن تحقيق هذه الأهداف يتطلب مواجهة جادة للتحديات المتعلقة بالبنية التحتية، والتكاليف، والمخاطر البيئية المرتبطة بالنفايات النووية.
يتطلب الأمر رؤية وطنية واضحة تتكامل فيها التشريعات، والاستثمارات، والبحث العلمي، والتعاون الدولي، لضمان استغلال هذه الثروة بحكمة وعقلانية، وتجنب أي آثار سلبية على البيئة والصحة العامة، بما يضمن مستقبلًا أكثر استقراراً وازدهاراً.