فلاش باك

مبنى “القبة” أو “النافي هاوس” في بورسعيد: شاهد على تاريخ مصر وحضارة القناة

لا يقتصر جمال العمارة على أبعادها الفنية فقط، بل يمتد ليشمل أبعادًا تاريخية وثقافية تعكس روح المكان وزمنه. في مدينة بورسعيد المصرية، يقف مبنى “قبة هيئة قناة السويس”، أحد المعالم الأثرية التي تعبر عن أكثر من 130 عامًا من التاريخ الحافل بالأحداث، شاهداً على كفاح شعب مصر ودوره المحوري في التجارة الدولية عبر قناة السويس.

بداية القصة: مبنى القبة وملامح النهضة الخديوية

منذ عام 1869، حين افتتحت قناة السويس، بدأت تظهر الحاجة إلى مبنى لمراقبة حركة السفن عبر المجرى المائي. إلا أن الخديوي عباس حلمي الثاني، صاحب الرؤية الطموحة، قرر بناء صرح معماري فخم ليكون بمثابة واجهة لمصر أمام ملوك وسفراء الدول. وهكذا أُسندت المهمة إلى شركة “إدموند كونييه” الفرنسية، وفي عام 1895 اكتمل بناء “مبنى القبة”، الذي أصبح مقرًا لهيئة قناة السويس في بورسعيد. بقبابه الخضراء و زخارفه المصرية الفخمة، أصبح المبنى نموذجًا معماريًا فريدًا يمزج بين الأصالة والحداثة، ويستقبل السفن العابرة كرمز حضاري يعكس مكانة مصر.

مبنى القبة ومحطات من الكفاح

لم يكن المبنى مجرد رمز معماري بل شهد مراحل حاسمة في التاريخ المصري، حيث انطلقت منه قوارب المرشدين المصريين لتثبيت سيطرتهم على قناة السويس بعد انسحاب المرشدين الأجانب، في موقف تاريخي أثبت كفاءة المصريين في إدارة المجرى الملاحي. كما لعب المرشدون اليونانيون دورًا بارزًا في هذا الحدث، حيث وقفوا إلى جانب زملائهم المصريين ضد الضغوط الدولية.

مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، تحول مبنى “القبة” إلى مقر للقيادة البريطانية في منطقة الشرق الأوسط، وشهد العديد من الأحداث العسكرية والسياسية الهامة. رغم الغارات الجوية التي تعرض لها خلال الحرب العالمية الثانية، ظل المبنى صامدًا، كما أثبت قدرته على الصمود مرة أخرى في وجه العدوان الثلاثي على بورسعيد عام 1956.

العدوان الثلاثي: رمز المقاومة

في نوفمبر 1956، تعرض “مبنى القبة” لقصف عنيف من قبل القوات البريطانية والفرنسية، أثناء العدوان الثلاثي على مصر. وشنّت الطائرات البريطانية غارات على المبنى الذي كان يُعرف آنذاك بـ “النافي هاوس”، حيث دافع الجنود المصريون بشجاعة عنه. رغم استشهاد العديد منهم، إلا أن المبنى بقي رمزًا للمقاومة الوطنية. كان الهدف من هذا الهجوم تأمين سيطرة البريطانيين والفرنسيين على قناة السويس، إلا أن المقاومة الشعبية والمصرية الشرسة أبطلت خططهم.

القبة بعد الاستقلال: رمز السيادة المصرية

بعد انتهاء الاحتلال البريطاني لمصر في 1956، وتحديدًا في 26 يوليو من العام ذاته، رفع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر علم مصر فوق مبنى “القبة”، معلنًا استعادة مصر سيادتها الكاملة على أراضيها وقناتها. وبعد سنوات من النضال، بات المبنى شاهدًا على كل تحولات الدولة المصرية من حقبة الاستعمار إلى الاستقلال. حتى بعد العدوان الثلاثي، ظل المبنى صامدًا، يعكس صمود الشعب المصري في وجه كافة التحديات.

الثورة وحركات الاحتجاج: مبنى القبة في قلب الأحداث

مع كل تطور سياسي واجتماعي في مصر، كان لمبنى “القبة” دور في تمثيل نبض الشارع المصري. ففي عام 2013، خلال أحداث ثورة 30 يونيو، شهدت بورسعيد احتجاجات واسعة، وأعلنت هيئة قناة السويس تضامنها مع أبناء المدينة في مطالبهم. وارتفعت أصوات العاملين في الهيئة مهددة بالانضمام إلى العصيان المدني إن لم تُستجب المطالب، مما يعكس الدور الوطني الذي لعبه هذا المبنى في حركات الاحتجاج الشعبي.

خاتمة: مبنى القبة رمز خالد

اليوم، بعد أكثر من 130 عامًا، يبقى مبنى “قبة هيئة قناة السويس” في بورسعيد شاهدًا على مراحل مفصلية في تاريخ مصر. من الخديوي عباس حلمي الثاني إلى ناصر والسادات، مرورًا بالحروب والنضال الشعبي، يبقى هذا المبنى رمزًا خالدًا للمقاومة الوطنية والتاريخ العريق، وقصة لا تُنسى عن كفاح المصريين وصمودهم أمام كل التحديات.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button