فلاش باك

ديليسبس بين الأسطورة والحقيقة: حكاية قناة السويس وتمثال الخيانة

عندما دخل نابليون بونابرت مصر، حلم بربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر عبر قناة، مستندًا إلى أفكار الفيلسوف لايبنتز. رأى بونابرت أن القناة ستضع مصر في مركز التجارة العالمية، لكنه تراجع عندما حذره مهندسه من تفاوت مستويات البحرين، الذي قد يؤدي إلى كارثة فيضان مصر.

مرت عقود حتى جاء الخديوي سعيد، حفيد محمد علي باشا، ليعيد إحياء حلم القناة بدعم من صديقه الفرنسي فرديناند ديليسبس. كان ديليسبس، نجل دبلوماسي فرنسي، قد بنى علاقات وثيقة مع النخبة المصرية، وسرعان ما حصل على امتياز حفر قناة السويس في عام 1854.

ديليسبس وقناة السويس: الحلم الذي تحول إلى صراع دولي

في 30 نوفمبر 1854، تمكن ديليسبس من إقناع الخديوي سعيد بمنحه فرمان الامتياز لحفر القناة. بدأت الأعمال فعليًا في 25 أبريل 1859 بمدينة بورسعيد، حيث تجمّع العمال المصريون ليبدأوا الحفر وسط وعود ديليسبس بأن المشروع سيجلب الرخاء.

ومع مرور الوقت، تحولت قناة السويس إلى معركة سياسية بين القوى الاستعمارية. في عام 1875، باع الخديوي إسماعيل حصته من أسهم القناة لبريطانيا، التي أصبحت تسيطر على معظم الشركة. وفيما بعد، أدت هذه التحركات إلى تقويض السيادة المصرية على القناة وتحويلها إلى وسيلة للسيطرة الاستعمارية.

ديليسبس والخيانة: لحظة فاصلة في الثورة العرابية

في ذروة الثورة العرابية عام 1882، تعهد ديليسبس للزعيم أحمد عرابي بعدم السماح للبريطانيين باستخدام قناة السويس لغزو مصر. لكنه خالف تعهده وسهّل للقوات البريطانية دخول بورسعيد، مما أدى إلى الاحتلال البريطاني الطويل لمصر. كانت هذه الخيانة نقطة تحول، حيث تسببت في دمار بورسعيد وترسيخ الهيمنة البريطانية.

تمثال ديليسبس: رمز الاستعمار يسقط

في عام 1899، نُصب تمثال ضخم لديليسبس عند مدخل قناة السويس تخليدًا لدوره في المشروع، لكنه سرعان ما أصبح رمزًا للكراهية مع تصاعد الغضب الشعبي ضد الاستعمار. خلال العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، حين هاجمت بريطانيا وفرنسا بورسعيد، أصبح إسقاط تمثال ديليسبس مطلبًا شعبيًا. وفي 24 ديسمبر من العام ذاته، تمكن المصريون من إسقاطه في عملية قادها الضابط سمير غانم.

ديليسبس: بين المجد والخيانة

يظل فرديناند ديليسبس شخصية مثيرة للجدل. البعض يراه مهندسًا أحدث تحولًا في التجارة العالمية، بينما يراه آخرون رمزًا للخيانة والاستغلال الاستعماري. قناة السويس، التي كانت حلمًا مصريًا، تحولت إلى صراع مرير على السيادة.

رغم مرور الزمن، ظل تمثال ديليسبس مطويًا في مخازن بورسعيد لعقود طويلة، رمزًا لسقوط القوى الاستعمارية أمام إرادة الشعوب. إلا أنه في الأونة الأخيرة أصدر اللواء أركان حرب عادل الغضبان محافظ بورسعيد قراراً بنقله سراً إلى متحف قناة السويس بالإسماعلية ليتفاجئ الجميع بكونه معروضاً في المتحف. قناة السويس ما زالت شريانًا حيويًا للتجارة العالمية، لكن تاريخها محفور بأحداث النضال والمقاومة المصرية، ليبقى درسًا تاريخيًا في مواجهة قوى الهيمنة والاستعمار.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button