بريهان أحمد تكتب : لطالما كانت -م- وفقط ميم هي من تنير ليِّ العتمة

في عالم الأدب، تبقى الرسائل واحدة من أصدق الأبواب التي تكشف خبايا النفس البشرية، وأكثرها قدرة على ملامسة جوهر الروح.
وكتاب “رسائل كافكا إلى ميلينا” ليس مجرد أوراق تحمل كلمات متبادلة، بل هو شهادة حب ملتهب واعتراف وجودي عميق لرجل أنهكته الهواجس والأمراض والاغتراب الداخلي.
لقد أحب فرانز كافكا تلك المرأة الفاتنة، ميلينا يسنسكا، المترجمة التي نقلت آثاره الأدبية إلى اللغة التشيكية، حبًّا لم يعرف له حياة إلا في الحروف، حبًّا كان يتغذى على المسافة والفقد أكثر مما يتغذى على اللقاء والوصال.
ومن هنا تحوّلت رسائله إليها إلى مرآة لروحه، مزيج من الخوف والرغبة، من الوله والهروب، من الأمل واليأس.
وقد قال لها يومًا: “أخاف من الأشياء التي تلامس قلبي يا ميلينا، لذلك أهرب منها دائمًا.”
تلك الجملة وحدها تختصر مأساته: رجل يخشى الحياة لكنه يفتتن بها، يهرب من الحب لكنه يموت فيه.
وأنا حين أنهيت قراءة هذه الرسائل شعرت أنني أبحرت في بحر من الشجن والصدق. دائمًا ما يجذبني ذلك اللون من الكتب التي تحمل بين طياتها رسائل مكتوبة بخط اليد؛ فثمة وجع خاص يسكن الورق حين يكتبه عاشق لشخص غائب، لشخص لا يراه أمام عينيه لكنه يستحضره في كل لحظة وكأنه يعيش معه. إنّ فعل الكتابة هنا يتحوّل من عادة إلى طقس مقدّس؛ إذ تصبح الرسالة نفسها كائنًا يشاركك يومك، يتنفس معك، ويحمل همومك، إلى أن يغدو الغائب الذي تكتب إليه جزءًا من وجدانك وروحك وعقلك وقلبك.
وهذا ما فعله كافكا مع ميلينا: كتبها حتى صارت تسكنه، عشقها حتى صار يهرب منها، عاشها حتى صارت قدره. ولعل أعظم قصص الحب لم تُكتب في قصائد أو روايات، بل في رسائل لم تُرسل. ففيها يودع العاشق أصدق ما في قلبه: الصدق العاري، الرغبة المتأججة، الأمل المشتعل، الفقد الموجع، الفراغ القاتل، الشغف العابر للحدود، واللقاء المستحيل الذي يتحول دومًا إلى وداع.
وأنا أيضًا، كل من أردت أن أُخلّد حضورهم في وجداني وسويداء قلبي كتبت عنهم رسائل لم تُسلم إليهم، واحتفظت بها لنفسي، كأنها وثائق سرية لشغف لا يعرف سواه قلبي.
ولهذا، حين قرأت كافكا، أدركت صدقه، وشعرت أنني ألمس حرارة يده المرتعشة فوق الورق، وأنني أفهم تمامًا لماذا كتب لميلينا كل هذا الحب، ولماذا ظل يهرب منه في الوقت نفسه.
في عالم الأدب، تبقى الرسائل واحدة من أصدق الأبواب التي تكشف خبايا النفس البشرية، وأكثرها قدرة على ملامسة جوهر الروح.
وكتاب “رسائل كافكا إلى ميلينا” ليس مجرد أوراق تحمل كلمات متبادلة، بل هو شهادة حب ملتهب واعتراف وجودي عميق لرجل أنهكته الهواجس والأمراض والاغتراب الداخلي.
لقد أحب فرانز كافكا تلك المرأة الفاتنة، ميلينا يسنسكا، المترجمة التي نقلت آثاره الأدبية إلى اللغة التشيكية، حبًّا لم يعرف له حياة إلا في الحروف، حبًّا كان يتغذى على المسافة والفقد أكثر مما يتغذى على اللقاء والوصال.
ومن هنا تحوّلت رسائله إليها إلى مرآة لروحه، مزيج من الخوف والرغبة، من الوله والهروب، من الأمل واليأس.
وقد قال لها يومًا: “أخاف من الأشياء التي تلامس قلبي يا ميلينا، لذلك أهرب منها دائمًا.”
تلك الجملة وحدها تختصر مأساته: رجل يخشى الحياة لكنه يفتتن بها، يهرب من الحب لكنه يموت فيه.
وأنا حين أنهيت قراءة هذه الرسائل شعرت أنني أبحرت في بحر من الشجن والصدق. دائمًا ما يجذبني ذلك اللون من الكتب التي تحمل بين طياتها رسائل مكتوبة بخط اليد؛ فثمة وجع خاص يسكن الورق حين يكتبه عاشق لشخص غائب، لشخص لا يراه أمام عينيه لكنه يستحضره في كل لحظة وكأنه يعيش معه.
إنّ فعل الكتابة هنا يتحوّل من عادة إلى طقس مقدّس؛ إذ تصبح الرسالة نفسها كائنًا يشاركك يومك، يتنفس معك، ويحمل همومك، إلى أن يغدو الغائب الذي تكتب إليه جزءًا من وجدانك وروحك وعقلك وقلبك.
وهذا ما فعله كافكا مع ميلينا: كتبها حتى صارت تسكنه، عشقها حتى صار يهرب منها، عاشها حتى صارت قدره. ولعل أعظم قصص الحب لم تُكتب في قصائد أو روايات، بل في رسائل لم تُرسل. ففيها يودع العاشق أصدق ما في قلبه: الصدق العاري، الرغبة المتأججة، الأمل المشتعل، الفقد الموجع، الفراغ القاتل، الشغف العابر للحدود، واللقاء المستحيل الذي يتحول دومًا إلى وداع.
وأنا أيضًا، كل من أردت أن أُخلّد حضورهم في وجداني وسويداء قلبي كتبت عنهم رسائل لم تُسلم إليهم، واحتفظت بها لنفسي، كأنها وثائق سرية لشغف لا يعرف سواه قلبي. ولهذا، حين قرأت كافكا، أدركت صدقه، وشعرت أنني ألمس حرارة يده المرتعشة فوق الورق، وأنني أفهم تمامًا لماذا كتب لميلينا كل هذا الحب، ولماذا ظل يهرب منه في الوقت نفسه.
