«التحطيب» من ساحات القتال لمظاهر الأحتفالات” لدى الفراعنة
"التراث ليس شيئًا من الماضي؛ إنه إيقاع حي، رقصة تتردد أصداؤها عبر الزمن."

- ما كان ذات يوم أداة لإعداد الجنود للمعركة أصبح رقصة شعبية نابضة بالحياة
هل ترغب في اكتشاف كيف يمكن لعصا بسيطة أن تحكى قصة تراث مصر و شجاعتها وقدرتها على الصمود؟ ادخل إلى عالم التحطيب، حيث يُكتب التاريخ في كل ضربة، وحيث تحمل كل نبضة من نبضات الناي أصداء ثقافة ترفض أن تُنسى.
ماذا لو أخبرتك أن التدريب في ساحات المعارك القديمة في مصر، لا تزال حية إلى اليوم، تنبض بنفس الطاقة والفخر والقوة التي كانت تنبض بها منذ آلاف السنين؟
هل تخيلت يومًا أن حركة يديك بعصا خشبية قد تكون أداة لبث رسالة من الماضي إلى الحاضر، من الأجداد إلى الأحفاد؟ وكيف أن رقصة بسيطة قد تكون سيدة فنون القتال والشجاعة في آن واحد؟
هذا هو “التحطيب”، تراثٌ لا يُحاكى إلا أسطورة القوة المصرية، التي كانت تعرف كيف تروي الحكايات بأسلوب خاص.

التحطيب في مصر القديمة: بداية الحكاية
التحطيب، هي لعبة بدأت كأداة تدريب للجنود تجاوزت الزمن وتحولت إلى أداء شعبي نابض بالحياة، حيث تتصادم العصا ليس بعنف، بل احتفالًا، فهذه ليست مجرد رقصة إيقاعية؛ إنها رقصة المحاربين، فن قديم من القوة والشرف تم تناقله عبر الأجيال، ولا يزال يتردد صداه في قلب مصر اليوم.فهو عرض للقوة والمهارة وتماسك المجتمع. يُعرف التحطيب في صعيد مصر باسم “غيه الرجال” .
من مصر القديمة إلى الرقص الحديث: رحلة التحطيب
في مصر القديمة، كانت التحطيب طريقة تدريب حيوية للجنود. أدرك المصريون أن القتال لا يتعلق بالقوة فحسب، بل يتعلق أيضًا بالانضباط وخفة الحركة والتوقيت.
وهنا يأتي دور التحطيب، كان التحطيب شكلًا من أشكال التدريب على القتال، وهو فن قتالي مبكر حيث كان المحاربون يتدربون بالعصا، محاكين المعارك الحقيقية التي قد يواجهونها في الحرب. لم تكن الحركات الرشيقة والضربات الدقيقة للدفاع فحسب، بل لتعلم السيطرة والاحترام والاستراتيجية.
لا يزال من الممكن رؤية فن التحطيب اليوم في الجدران المهيبة للمعابد مثل الكرنك والأقصر، حيث تصور اللوحات الجدارية والنقوش القديمة المحاربين وهم يتدربون بأسلحتهم – نفس العصا التي أصبحت رمزًا للقوة والانضباط والشرف.تذكرنا هذه الصور بأن التحطيب لم يكن مجرد رياضة؛ بل كان طقوسًا وأسلوب حياة واحتفالًا بالقوه .

من القتال إلى الاحتفال: الروح الحديثة للتحطيب
في مصر اليوم، خضع فن التحطيب لتحول، ما كان ذات يوم أداة تدريب تطور إلى رقصة شعبية، لا يزال عرضًا قويًا للقوة، ولكنه الآن احتفال بالتراثوالمجتمع.
التحطيب، المعروف في صعيد مصر باسم “غيه الرجال”، ليس مجرد لعبة؛ بل هو رمز للشجاعة والرجولة والشرف.
أصبحت لعبة التحطيب مهمة للغاية للهوية الثقافية لمصر لدرجة أن اليونسكو أدرجتها في عام 2016 في قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية، معترفة بدورها في الحفاظ على هوية الشعب المصري.
قواعد الرقص: أكثر من مجرد مبارزة
على أنغام الناي الصعيدي النابض بالحياة، يتنافس لاعبان مسلحان بعصا الخيزران السميكة في مبارزة إيقاعية. ويقام العرض في حلقة دائرية واسعة، محاطة بالمتفرجين الذين يتتبعون حركة المقاتلين بأجسادهم. إنه أداء يحمل ثقل التاريخ والتقاليد، التي تنتقل من جيل إلى جيل.
في حين تطور التحطيب الحديث إلى أداء وشكل من أشكال التجمع الإجتماعي، إلا أنه لا يزال يتبع قواعد تقليدية معينة. تبدأ اللعبة بمصافحة محترمة بين المشاركين. يرفع كل لاعب عصاه في الهواء، إشارة للبدء. ثم يلوح اللاعبان بعصاهما فوق رأسيهما – يسارًا ويمينًا، في عرض للتقنية والدقة، ويحاول كل منهما التفوق على الآخر.
الهدف؟ لمس جسد الخصم بالعصا، أو إيقاع عصا الخصم، إنها ليست لعبة عنف، بل هي لعبة تحكم وإتقان، حيث يكون احترام الخصم أمرًا بالغ الأهمية.
التحطيب اليوم: إرث ثقافي يوحد ويلهم
اليوم، التحطيب أكثر من مجرد لعبة تقليدية. إنه احتفال بالتراث الثقافي الغني لمصر، وهو رابط بين الماضي القديم والحاضر. تُمارس هذه الرقصة على نطاق واسع خلال المناسبات الاجتماعية، وخاصة في المناطق الريفية وصعيد مصر، حيث تجمع المجتمعات للاحتفال.
لقد بدأت كتمرين تدريبي عسكري منذ آلاف السنين، ثم تطورت إلى رقصة شعبية محبوبة، لا تزال تحمل نفس روح القوة والنبل والفخر التي كانت تحملها في زمن الفراعنة، وكما يسلط تقدير اليونسكو الضوء على أن رقصة التحطيب ليست مجرد بقايا من الماضي؛ بل هي تقليد حي لا يزال يبث الحياة في المشهد الثقافي في مصر.
لذا في المرة القادمة التي ترى فيها مجموعة من الرجال في الريف المصري يلوحون بعصا الخيزران برشاقة على إيقاع الناي، ستعرف أنك تشهد أكثر من مجرد رقصة – أنت تشهد نبض قلب مصر نفسها، رقصة التاريخ والقوة والفخر.وهكذا، تواصل رقصة التحطيب طريقها عبر الزمن.
